حيدر السراي
قطعت السياسة شوطا بعيدا نحو التعقيد لو قورنت بالصور الاولى للانظمة السياسية ، فبينما نجدها في ابسط صورها عبارة عن قائد اعلى وبيت مال وعسكر ، نراها تنتقل الى التعقيدات الكبرى في الحراك والعمل والتنظير.
يعود ذلك للتشعب الكبير في الموارد الفكرية والمادية وتنوع الثروات وطرق توفير المال وتعقيدات الانظمة الاقتصادية الحديثة .
فعندما نقارن السياسة الحديثة للدول والاقطاب العالمية والتحالفات الدولية مع سياسة العصور الوسطى او القديمة سنجد الفرق شاسعا فيما بين الانظمة السياسية المختلفة ، لنبسط الامور الى ابسط ما يمكن :
ففي العصور الوسطى والقديمة لم تكن هناك انظمة مصرفية لتداول الاموال وليست هناك عملات ورقية تعويضية عن العملة الحقيقة وهي الذهب والمعادن الثمينة ، وتتم التجارة بصورة عامة بالمقايضة المباشرة ما بين المادة والمعدن الثمين.
في الموارد لم تكن هناك ثروات نفطية وغازية ، وفي المقابل لم تكن هناك ثورة صناعية تتطلب تلك الموارد ، وفي النتيجة لم تكن متطلبات الشعوب معقدة ، فهي لا تعرف الكهرباء ولا وسائل التواصل ولا التلفاز ولا وسائل النقل الحديثة الخ ، وكل ما كانت تحتاجه البشرية هو الماء والغذاء والمسكن وبعض المتطلبات الحياتية البسيطة الاخرى ، ولذلك كانت السياسة ترتبط بهذه المنظومة الاقتصادية البسيطة
السياسة ايها الاعزاء ترتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد والموارد ، ولان هذه الموارد هي ذاتها المستخدمة في كل اصقاع الارض ونقصد هنا الموارد " المعدنية ، والغازية ، والنفطية ، والمائية، والزراعية ، وغيرها ، والثورة المصرفية التي استبدلت العملات المعدنية بالعملات الورقية المغطاة بالذهب والتي احتاجت الى انظمة مصرفية عالمية معقدة يصعب فهمها ، كل تلك المعطيات تجعل من الطبيعي ان تتعقد اليات وظروف الصراع والسياسة لتتعدى الدول المتجاورة الى الانظمة التي لا ترتبط بأي حدود جغرافية فيما بينها ، ومن هذا المنطلق ايضا نرى مشاهد الصراع تتوسع والتصارع على مناطق الثروات يتزايد ، وليست هناك تفسيرات منطقية لتحرك الجيوش والاساطيل الى بلدان تبعد عن اراضيها الالاف الكيلومترات غير العامل الاقتصادي الجوهري في الانظمة الحديثة ، ويكشف لنا العالم اليهودي الاصل والامريكي الجنسية " ناعوم تشومسكي" بعضا من اعماق هذه السياسة في بعض ما كتبه تحت عنوان " اسلحة صامتة لحروب هادئة"
ولو لا هذا النظام العالمي الاقتصادي المصرفي لما تمكنت امريكا ان تفرض عقوباتها الظالمة على ايران وعلى دول كبرى كروسيا مثلا ، وان يتم انهاك الدول وتغيير الانظمة عن طريق الحصار الاقتصادي والتجاري.
يبدوا واضحا مما سبق ان السياسة في جانبها الاقتصادي معقدة جدا واننا لا نرى منها سوى قمة الجبل وظواهر الاحداث ، ولذلك فمن الحكمة ان لا يتعجل الاخوة في مواقع التواصل الاجتماعي للبت في بعض الاحداث السياسية ذات الجنبة الاقتصادية منذ الوهلة الاولى ، ويقال دائما ان الصور الاولى خداعة فلربما تظهر لنا صورة قاتمة جدا من حدث ما ويظهر فيما بعد انه عين الصواب ولربما يحدث العكس ايضا ، وفي كل الاحوال ، ينبغي التأمل كثيرا قبل ابداء الرأي في الاحداث السياسية ، التي تكون مرتبطة في العادة بالجانب الاقتصادي.
https://telegram.me/buratha