مجيد الكفائي
تصور لو ان معلما في اوربا اوقف احد التلاميذ قرب سلة الزبالة اهانة له امام تلاميذ صفه واصدقائه او ضربه ضربا مبرحا فماذا سيحدث؟ بالتأكيد ان عائلة التلميذ ستقدم شكوى الى المدرسة تطلب فيها التحقيق بما جرى وتطلب معاقبة المعلم على فعلته الشائنة هذه، وتعويض التلميذ وعائلته ومن الممكن ان يفقد المعلم عمله كمعلم ويحال الى المحكمة بتهمة اذلال واهانة التلميذ، وحتما سيدفع غرامة للمحكمة عقوبة له وتعويضا ماديا للطالب عن الاذى الادبي والمعنوي الذي لحق به، وقد يحرم المعلم من مزاولة التعليم نهائيا ويكتب في صحيفته في المحكمة الجريمة التي ارتكبها والعقوبة التي استحقها، وطبعا هذه الصحيفة ستطلب من المعلم عند التقديم لاي عمل (طبعا خارج سلك التعليم) وهذا يعني ان فرصة حصوله على عمل مناسب تكون جدا ضئيلة، بل شبه معدومة.
هذا في اوربا والدول المتحضرة، اما في بعض مدارس العراق، فالامر مختلف تماما. فيوميا يهان ويذل مئات التلاميذ بناتا وبنينا من قبل بعض المعلمين والمعلمات، بحيث ان عدد التلاميذ الذين يقفون قرب سلة "الزبالة" يتجاوز عددهم العشرة في كل درس مما يجعل بعض التلاميذ الذين يقفون بعيدا عن "سلة الزبالة" "لكثرة من بقربها" يتفاخرون على غيرهم بانهم بعيدون عن السلة المشؤومة، التي اصبحت رمزا من رموز الاهانة والاذلال والتحقير في اغلب المدارس التي يفتقر بعض معلميها ومدرسيها الى ابسط المعلومات في حقوق الطفل وحقوق الانسان وحقوق المسلم وحقوق المتعلم، ناهيك عن افتقارهم الى الانسانية والرحمة والتقوى والعدل والدين وقواعد السلوك المحترم والمهذب.
سلة صغيرة في زاوية الصف تحطم شخصية طفل في طفولته، وتتعدى لتحطمه شابا في شبابه، ورجلا في بلوغه وكبره. فغالبا (في بعض المدارس) يسبق ايقاف التلميذ قرب تلك (السلة) الشتم والاهانة والتحقير والضرب بالعصي والمساطر الى حد يصل فيه التلميذ الى حالة الاغماء، والاعتداء على اهله ولومهم لانهم لم يربوه تربية صحيحة، كما يعتقد ذلك المعلم او تلك المعلمة "ولاسباب تافهة جدا وغير مبررة، وهذا ما يرسخ في ذهن التلميذ انه غير مؤدب ولا متربي (ولا بيه خير)، ولا يمكن ان يكون فيه خير في يوم من الايام، لان هذا ما يقوله المعلم "قدوته" له امام التلاميذ, فينكسر خاطره اولا، وكسر الخاطر لا يجبر مهما طال الزمن كما يقول المثل العراقي، ثم يكره التلميذ الدرس والمدرسة والمعلم ثانيا ويفضل الموت على الدخول الى المدرسة التي من المفترض ان يحبها اكثر من بيته ويسعى اليها فرحا مسرورا، ثم تضعف شخصيته شيئا فشيئا الى ان تضمحل وتتلاشى ويصبح بلا شخصية، خائفا قلقا متوترا يظن الخطأ في كل عمل يعمله وغير قادر على اتخاذ اي قرار، فيحقد على المدرسة والحياة واهله الذين انجبوه وقد يلجأ الى الشرب وتعاطي المخدرات وينحرف باتجاه طريق الجريمة والارهاب.
كل ذلك قد يكون سببه اهانة او تعنيف او احتقار او ضرب او كلمة جارحة يطلقها بحقه معلمه او معلمته او وقفة بقرب السلة المشؤومة (سلة الزبالة) او حلق رأسه امام زملائه بالطول والعرض لتأديبه ولإجبار أهله على حلق راسه لأنه كما يظن المعلم او المعلمة طويل ويحتاج الى الحلق والتقصير او تمزيق ملابسه لأنها غير نظيفة او قديمة او اهانته امام التلاميذ لانه كما يقول "المعلم"، قذر ووسخ وغير نظيف..
هذا، واكثر منه يحدث في بعض مدارسنا بعلم او بدون علم الجهات العليا كالاشراف التربوي ومديريات التربية ووزارة التربية. وهذا شيء خطير جدا لما فيه من اثار صحية ونفسية وسلوكية على الطالب. ولابد من اتخاذ اجراءات سريعة ومستعجلة من قبل وزارة التربية ومديرياتها العامة للحد من هذه الظاهرة التي يعرفها كل الناس وكل اسر التلاميذ، واصدار تعليمات وتأكيدات الى المدارس تمنع اهانة واحتقار التلميذ او الطالب بأي طريقة ولأي سبب كان، وتمنع ضرب التلاميذ واذلالهم بايقافهم قرب سلة الزبالة او بأية طريقة اذلال اخرى، وتتبنى وتقيم دورات توعوية وتثقيفية للمعلمين والمدرسين وادارات المدارس في التربية والتعليم وحقوق الطفل وحقوق الانسان وحقوق الاسر العراقية وحقوق المواطن العراقي، وتقوم بالتفتيش المستمر على ادارات المدارس وتجتمع مع اسر التلاميذ وتسأل وتتحرى وتكتشف.
ان التلميذ امانة في اعناق وزارة التربية، فعليها ان تؤدي الامانة وتخلص في التربية والتعليم والنصيحة وتعاقب كل من يتعدى على حقوق ابنائنا بحجج واعذار واهية، ويساهم في تحطيم شخصية جيل المستقبل.
https://telegram.me/buratha