المقالات

السلة المشؤومة

2043 2018-07-12

مجيد الكفائي

تصور لو ان معلما في اوربا اوقف احد التلاميذ قرب سلة الزبالة اهانة له امام تلاميذ صفه واصدقائه او ضربه ضربا مبرحا فماذا سيحدث؟ بالتأكيد ان عائلة التلميذ ستقدم شكوى الى المدرسة تطلب فيها التحقيق بما جرى وتطلب معاقبة المعلم على فعلته الشائنة هذه، وتعويض التلميذ وعائلته ومن الممكن ان يفقد المعلم عمله كمعلم ويحال الى المحكمة بتهمة اذلال واهانة التلميذ، وحتما سيدفع غرامة للمحكمة عقوبة له وتعويضا ماديا للطالب عن الاذى الادبي والمعنوي الذي لحق به، وقد يحرم المعلم من مزاولة التعليم نهائيا ويكتب في صحيفته في المحكمة الجريمة التي ارتكبها والعقوبة التي استحقها، وطبعا هذه الصحيفة ستطلب من المعلم عند التقديم لاي عمل (طبعا خارج سلك التعليم) وهذا يعني ان فرصة حصوله على عمل مناسب تكون جدا ضئيلة، بل شبه معدومة. 
هذا في اوربا والدول المتحضرة، اما في بعض مدارس العراق، فالامر مختلف تماما. فيوميا يهان ويذل مئات التلاميذ بناتا وبنينا من قبل بعض المعلمين والمعلمات، بحيث ان عدد التلاميذ الذين يقفون قرب سلة "الزبالة" يتجاوز عددهم العشرة في كل درس مما يجعل بعض التلاميذ الذين يقفون بعيدا عن "سلة الزبالة" "لكثرة من بقربها" يتفاخرون على غيرهم بانهم بعيدون عن السلة المشؤومة، التي اصبحت رمزا من رموز الاهانة والاذلال والتحقير في اغلب المدارس التي يفتقر بعض معلميها ومدرسيها الى ابسط المعلومات في حقوق الطفل وحقوق الانسان وحقوق المسلم وحقوق المتعلم، ناهيك عن افتقارهم الى الانسانية والرحمة والتقوى والعدل والدين وقواعد السلوك المحترم والمهذب.
سلة صغيرة في زاوية الصف تحطم شخصية طفل في طفولته، وتتعدى لتحطمه شابا في شبابه، ورجلا في بلوغه وكبره. فغالبا (في بعض المدارس) يسبق ايقاف التلميذ قرب تلك (السلة) الشتم والاهانة والتحقير والضرب بالعصي والمساطر الى حد يصل فيه التلميذ الى حالة الاغماء، والاعتداء على اهله ولومهم لانهم لم يربوه تربية صحيحة، كما يعتقد ذلك المعلم او تلك المعلمة "ولاسباب تافهة جدا وغير مبررة، وهذا ما يرسخ في ذهن التلميذ انه غير مؤدب ولا متربي (ولا بيه خير)، ولا يمكن ان يكون فيه خير في يوم من الايام، لان هذا ما يقوله المعلم "قدوته" له امام التلاميذ, فينكسر خاطره اولا، وكسر الخاطر لا يجبر مهما طال الزمن كما يقول المثل العراقي، ثم يكره التلميذ الدرس والمدرسة والمعلم ثانيا ويفضل الموت على الدخول الى المدرسة التي من المفترض ان يحبها اكثر من بيته ويسعى اليها فرحا مسرورا، ثم تضعف شخصيته شيئا فشيئا الى ان تضمحل وتتلاشى ويصبح بلا شخصية، خائفا قلقا متوترا يظن الخطأ في كل عمل يعمله وغير قادر على اتخاذ اي قرار، فيحقد على المدرسة والحياة واهله الذين انجبوه وقد يلجأ الى الشرب وتعاطي المخدرات وينحرف باتجاه طريق الجريمة والارهاب.
كل ذلك قد يكون سببه اهانة او تعنيف او احتقار او ضرب او كلمة جارحة يطلقها بحقه معلمه او معلمته او وقفة بقرب السلة المشؤومة (سلة الزبالة) او حلق رأسه امام زملائه بالطول والعرض لتأديبه ولإجبار أهله على حلق راسه لأنه كما يظن المعلم او المعلمة طويل ويحتاج الى الحلق والتقصير او تمزيق ملابسه لأنها غير نظيفة او قديمة او اهانته امام التلاميذ لانه كما يقول "المعلم"، قذر ووسخ وغير نظيف..
هذا، واكثر منه يحدث في بعض مدارسنا بعلم او بدون علم الجهات العليا كالاشراف التربوي ومديريات التربية ووزارة التربية. وهذا شيء خطير جدا لما فيه من اثار صحية ونفسية وسلوكية على الطالب. ولابد من اتخاذ اجراءات سريعة ومستعجلة من قبل وزارة التربية ومديرياتها العامة للحد من هذه الظاهرة التي يعرفها كل الناس وكل اسر التلاميذ، واصدار تعليمات وتأكيدات الى المدارس تمنع اهانة واحتقار التلميذ او الطالب بأي طريقة ولأي سبب كان، وتمنع ضرب التلاميذ واذلالهم بايقافهم قرب سلة الزبالة او بأية طريقة اذلال اخرى، وتتبنى وتقيم دورات توعوية وتثقيفية للمعلمين والمدرسين وادارات المدارس في التربية والتعليم وحقوق الطفل وحقوق الانسان وحقوق الاسر العراقية وحقوق المواطن العراقي، وتقوم بالتفتيش المستمر على ادارات المدارس وتجتمع مع اسر التلاميذ وتسأل وتتحرى وتكتشف.
ان التلميذ امانة في اعناق وزارة التربية، فعليها ان تؤدي الامانة وتخلص في التربية والتعليم والنصيحة وتعاقب كل من يتعدى على حقوق ابنائنا بحجج واعذار واهية، ويساهم في تحطيم شخصية جيل المستقبل.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ايمان علي المحمداوي
2020-07-21
بارك الله فيك
ام قمر
2020-07-21
من اجمل ماقرأت كلامك كله صحيح أن سبب عدم تقدم العراق وسبب تخلفه هذه الأمور التي ذكرتها غياب التشجيع يقابلها كثرة الإهانة وتقليل الشأن الذي يصنع جيل مدمر نفسيا هذا الجيل ماذا ننتظر منه أن يقدم لبلده سوى عدم الرضا والحقد والنفور والكره
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك