الباحث محمدكاظم خضير
لا يخلو شهر ما بعد سقوط نظام السابق من مظاهرات و الوقفات الاحتجاجية و الاعتصامات صارت خبز عراقيون تُتوج يومه العادي و تثقله بشحنات في أغلبها سلبية
العراق ما بعد سقوط يشهد لعبةمظاهرات بأتم معنى الكلمة ,حرب ضروسا يفتخر فيها كل طرف بالأعداد المكونة لصفوفه . أما أسلحتهم فشعارات ركيكة و مألوفة قد تنتج فوزا و لو معنويا لطرف على حساب الآخر أو هي في أحيان كثيرة إشارات توجس يتناقلها الطرفان دون تأثير يذكر. و ككل حرب قد يخرج طرف عن الأصول و المتفق عليه فتكون النتيجة خسارة أرواح بشرية كما آلت إليه الأمور منذ أيام إثر مظاهرات في بالبصرة بالجنوب العراقي
من المعلوم عند القاصي و الداني أن واقع العراقي ما قبل سقوط صدام كان مغايرا جدا , فالقمع الأمني و الخوف من جبروت السلطة أدى إلى ركود لافت تواصل لعقود على مستوى الشارع العراقي. هذا الشارع الذي خلى من كل أنواع الاحتجاجات إلا نادرا و صارت السياسة حديث نخبة قليلة تتبادل كلماتها في توجس و يأس. قد يفسر هذا الكبت حالة الإنفلات التي تشهدها العراق اليوم خاصة في غياب سلطة أمنية قادرة على تحقيق معادلة الحفاظ على الأمن و حفظ حقوق المواطن كإنسان مهما أخطئ التصرف.
العراق الذي حُكم بالنار و القيود و التعذيب لأكثر من 35 سنة تعيش اليوم تخبطا في ظل عقلية لم تتعود بعد على هامش الحرية الكبير المتوفر على الساحة العراقية و هو ما يفسر العدد الهائل من الإحتجاجات لأسباب متباينة الأهمية.
ما يميز الشارع العراقي أيضا بعد مرور قرابة سنوات على سقوط صدام نفسه هي ظاهرة المظاهرات و هي نتيجة متوقعة لحالة الإنقسام التي يعيشها الشعب و التي صار مؤخرا مركزها الأساسي الموقف من الحكومة سلبا كان أو إيجابا.
هذا الوضع افقد المظاهرات رونقها و سلبها معناها و صارت أشبه بمسرحيات مقيتة من إخراج رجال السياسة في العراق و في الخارج. يلعب الشعب أدوارا متعددة وتتحدد أدوار البطولة حسب المستجدات بينما تتوطّد العلاقات أو تسوء بين شخصيات المسرحية حسب المصالح الضيقة لا المبادئ الكبرى ..
في هذا الإطار يشهد العراق بالخصوص في البصرة إحتجاجات و مظاهرات أملا في تغير الاوظاع البلد لما يراه البعض خسارة الارباك للشرعية الإنتخابية بعد مرور شهرين على إنتخابات المجلس نواب في العراق . .
إحتجاجات من شأنها توتير الأوضاع و شحنها بعيدا عن معالجة حقيقية للمشاكل وتوفير حلول بدت غائبة عن طرحي الحكومة و الشعب المهتمين بشكل خاص بتشويه بعضهما البعض و بركوب مآسي الناس و أحزانهم.
تجتمع جل المكونات السياسية على أن المكسب البيّن و الجلّي في العراق ما بعد الثورة هو الحرية التي صار يتمتع بها العراقيون على جميع المستويات لكن الإدراك الجماعي على يقين بأن مشاكل العراق الإجتماعية و الإقتصادية مازالت قائمة و يُضاف لها عجز حكومي عن محاسبة أغلب رموز الفساد و المجرمين ليتشكل مشهد قاتم هو في غنى عن المظاهرات و في حاجة قصوى لتطور فعلي على أرض الواقع.
طالما آمنت أن المظاهرات ظاهرة صحية و ديمقراطية و لن أعتبرها يوما ترفا سياسيا خاصة عندما تكون وسيلة لإعلاء الصوت و التعبير عن مشاغل و تطلعات الشعوب كما أن هذا الحراك السياسي في العراق دليل آخر على حيوية و يقظة الشعب. كل أملي أن يتواصل هدا الحراك رغم ما يتسم به أحيانا من تغييب للمصلحة العامة أمام مطالب فئوية شخصية و دون أن يتحول إلى مكبل للاقتصاد و باعث للفوضى و الإضطراب بين مكونات المجتمع الواحد لكن المحزن في مظاهرات اليوم في العراق أنها أشبه بإستعراضات للقوى و هي حاملة لرسائل القادة السياسيين لا لتطلعات الشعب.
على العراق اليوم أن يفهم أن الحرية بعد سقوط صدام لم تبلغ بعد العقول و أن الحل في ثورة فكرية و عقول تؤمن بالبناء و العمل وسيلة لتحول العراق لوضع أفضل .فعندما تلامس الثورة العقليات و يفهم العراق أن السماء لا تمطر ذهبا و لا فضة و أن سقوط صدام لا يعني أن مغارة علي بابا ستفتح أبوابها في العراق و عندما يكف الساسة عن إستبلاه المواطن بالتسويف و المماطلة عندها فقط يمكننا الحديث عن ديمقراطية و الافتخار به بين الأمم.
لا تبدو الأوضاع السياسية والاقتصادية في العراق تسير على نحو جيد، وفي ظاهر الأمر إنّ الشعب العراقي ضاق ذرعاً من الأوضاع المعيشية الصعبة وتردي الخدمات في البلاد، ما دفع المواطنين للنزول إلى الشارع وبدء مظاهرات احتجاجية امتدت من جنوب البلاد حتى واسطه لليوم السادس على التوالي دون أن تحدّ “الإجراءات الحكومة” من وقعها بل على العكس تأججت أكثر وانضمت إليها العشائر.
موقف حيدر العبادي مما يجري!!
حيدر العبادي يعيش أوقاتاً عصيبة لا يحسد عليها، خاصةً بعد أن أدارت كل من الكتل السياسية” ظهرها له وتخلوا عنه في أحلك ظرف تمرّ به العراق إن لم نقل بأنهم سبب وصول هذا الظرف إلى هذا الحدّ.
حيدر العبادي لم يتعامَ عن أزمة بلاده التي دفعته للخروج مرات منذ توليه السلطة والإدلاء بتصريحات توضّح للمواطنين ما يجري علّها تكون بمثابة مخدّر ريثما تجد القيادة السياسية حلّاً لهذه الأزمة التي بدأت تعصف بالبلاد، . اليوم يقف أمام مفترق طرق، إما الخروج من الأزمة وتوفير حياة كريمة لشعبنا، أو الدخول -لا سمح الله- بالمجهول، لكن يجب أن نعرف إلى أين نحن ذاهبون”.
إذاً حيدر العبادي مدرك تماماً لما يجري ولكن أصعب ما يمكن قوله عن أزمة العراقية أنه “ما باليد حيلة”، لمجموعة من الأسباب نفندها بالتالي:
أولاً: الحكومة العراقية اعطت موزانة كثيرة وكبيرة لحل مشكلة الكهرباء ونقص الخدمات لوزارت لإنجاز المشاريع و تغطية ما يمكن تغطيته من مناطق في توفيى خدمات الذي تمرّ به البلاد والذي يمكن ربطه بشكل مباشر بالمواقف ومشاكل السياسية في البلاد.
ثانيا. الفسادة المتنشر في الوزارات أدى إلى انفجار الشارع العراقي
لم يعد الوضع الآن يحتمل الاستمرار في السياسة هذا، وما طُرح في التظاهرات يمثّل نقلةً مهمة، على أمل أن يؤسّس الحراك بديله الحقيقي
https://telegram.me/buratha
