مجيد الكفائي
لم افاجأ عندما اخبرني صديق لي ان زيارته الاخيرة للطبيب كلفته اكثر من 450 الف دينار، وهو مبلغ كبير على مواطن عادي كصديقي، فالمبلغ يزيد بأكثر من خمسين الف دينار عن الراتب التقاعدي الذي اقره مجلس النواب العراقي للمتقاعدين العراقيين المحظوظين.
وبما ان صديقي ليس من المتقاعدين المحظوظين الذين غرقوا بالفلوس غرقا بعد ان اقر قانون التقاعد الموحد ، فقد كان غاضبا لضياع هذا المبلغ في زيارته للطبيب، فحاولت تهدأته قدر ما استطيع. فقال لي بحدة: وصفة طبيب بمئة وسبعين الف دينار تقبلها؟!
صراحة لم اقبلها، لكني لم استغرب ذلك لاني مريض مزمن، واعرف ان الدواء في العراق غال جدا، وسعره يتماشى مع النظرية الاقتصادية العرض والطلب ولان اغلب العراقيين مرضى واعدادهم بازدياد مطرد، فان الطلب يزادد كل لحظة على الدواء، وبالتالي يزداد السعر اضعافا مضاعفة.
اما لماذا تزدهرتجارة الادوية وتكثر الصيدليات الاهلية والعيادات الخاصة في العراق فذلك لاسباب كثيرة؛ اولها ان الامراض في العراق كثيرة ومختلفة الانواع والاجناس بسبب ما لحق بالعراق من تلوث بيئي نتيجة الحروب التي مر بها على مدى عقود.
تلك الحروب التي ألقيت فيها على ارض العراق ومواطنيه ملايين القذائف والمتفجرات والقنابل المشعة وغير المشعة والمحرمة وغير المحرمة، ومن الطبيعي ان تتسبب تلك المقذوفات بامراض كثيرة ومتنوعة اولها امراض الجهاز التنفسي، واخرها امراض عجز الطب عن معرفتها وعلاجها، وبالتالي فلابد من وجود عدد كبير من العيادات الخاصة والمستشفيات والصيدليات الاهلية لاستيعابةهذا العدد الكبير من المرضى.
وثانيها ان مناخ العراق مناخ يساعد على انتشار الامراض والأوبئة، خصوصا التنفسية والهظمية والامراض الفيروسية. فمناخ العراق حار، جاف، مترب، صيفا وبارد، ممطر، شتاء. وهذا المناخ يسبب ويساعد على انتشار امراض الربو والحساسية والانفلونزا، خصوصا اذا كانت مناعة الانسان ضعيفة و(تعبانة).
وبما ان العراقيين يتمتعون بمناعة ضعيفة جدا بسبب قلة الغذاء ورداءة نوعيته وخلوه من متطلبات الغذاء الصحي، ولان العراقيين ولسنين طويلة سنين الحصار والفقر يأكلون نوعا واحدا من الطعام هو الرز والعدس ومن النوع الرديء والمتعفن والمسرطن مع غياب اللحوم والفواكهة في غذائهم، أدى ذلك الى اصابتهم بامراض فقر الدم والهزال وضعف المناعة وامراض هظمية وتلف في خلايا الجسم وانسجته، والتي جعلته فريسة لامراض كثيرة ومختلفة دفعته مجبرا نحو مستشفيات الاطباء الاهلية وعياداتهم الخاصة.
وثالثها ان وضع المواطن العراقي لأكثر من نصف قرن وضع قلق ومضطرب ببسب عدم استقرار وضع البلد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وكثرة الحروب ولان العراقي يعيش القلق والحرمان والفقر والعوز والهم والغم والقهر يوميا، فقد اصيب بامراض الضغظ والسكري وامراض القلب والقرح المعدية وامراض القولون والامراض النفسية ولأنه (المواطن العراقي) لا يستطيع الحصول على علاج جيد وشاف من مستشفيات الدولة مجانا، وان (حصل على علاج) فأنه غير اصلي كما يسميه الشارع العراقي، فانه يضطر الى الذهاب الى طبيب خاص في عيادة خاصة او مستشفى اهلية فيستنزف ذلك الطبيب ماله القليل، كشفا وتشخيصا وسونارا وتحليلات، ثم يخرج منه بوصفة ثقيلة الى الصيدلي الذي ما ان يرى وصفته حتى يقول له (تريد دواء اصلي فيقول المواطن مرغما نعم، وهو يعلم ان المال الذي في جيبه قد لا يكفي ولا يغطي ثمن الوصفة الطبية, وغالبا ما تجد العديد من المرضى يسألون الصيدلي عن قيمة الوصفة، قبل ان يقولوا له اصرفها لانهم يعلمون ان الدواء غال خصوصا (الاصلي).
وقد يسأل سائل الا تستطيع الدولة ومؤسساتها الصحية انقاذ المواطن الفقير من عيادات الاطباء الخاصة باستقدام اطباء اختصاص اجانب الى المستشفيات العراقية لتشخيص وعلاج المواطن المريض مجانا، وتجهيز المستشفيات العراقية بما تحتاجه من تجهيزات ومعدات وكوادر تمريضية وفنية، ألا تستطيع ذلك؟ ام انها لا ترغب في ذلك ولا تريد ليس لقلة موارد الدولة ولا لغلاء رواتب الاطباء الاجانب وانما تستكثر على العراقيين الصحة والعافية؟ ثم ألا تستطيع المؤسسات الصحية الحكومية استيراد دواء اصلي ومجاني او مدعوم للمواطنين عامة، فقراء واغنياء، بدلا من الدواء الفاسد وغير (الاصلي) الذي يشتريه من الصيدليات الاهلية.
ان اغلب مستشفيات العراق تفتقر لحد هذا اليوم الى اهم الاجهزة الطبية كجهاز الرنين وجهاز الكلى الاصطناعية واجهزة امراض القلب والقسطرة فضلا عن فقدان الادوية المهمة والتي تمثل الحياة او الموت بالنسبة للمواطن العراقي، لذلك فان العراقي عندما يمرض يضطر الى بيع بيته (اذا كان لديه بيت) ليذهب الى لبنان اوالهند او ايران ليعالج نفسه.
ان زيارة طبيب خاص كزيارة صديقي بتكلفتها العالية، لا تثير العجب في بلد كل شيء فيه يباع ويشترى، لكن ما يثير العجب والاستغراب هو ان العراق من اغنى دول المنطقة، وشعبه من افقر الشعوب، وان حكومته قادرة على تغير حاله من الحال الذي هو عليه (اسوأ حال) الى احسن حال، لكنها لا تفعل!.
https://telegram.me/buratha