كثيرة هي المؤسسات، التي تراقب عمل الدوائر الحكومية، منها ما هو مرتبط بالسلطة التنفيذية (مكاتب المفتش العام)، ومنها ما هو مرتبط بالسلطة التشريعية (هيئة النزاهة)؛ لكن هل عملت هذه المؤسسات؛ بما تملكه من إمكانيات مادية ومالية، من القضاء على الفساد المستشري في الدوائر الحكومية، والروتين القاتل الذي يتعامل به الموظفين مع المراجعين؛ خاصة المستثمرين الأجانب، مع ملاحظة مسألة جديرة بالإنتباه، ألا وهي أن العراق أصبح من الدول الأكثر فسادا من بين دول العالم، ولا يتفوق عليه في هذا؛ إلا دول تعد على أصابع اليد الواحدة.
إن الفساد، له أشكال مختلفة، لكن لماذا يلجأ الموظف الى تعاطي الرشوة؟ هل هو المراجع الذي يريد أن ينهي معاملته بأقصى سرعة؟ أم أن صعوبات مالية تواجه الموظف، تجبره على سلوك هذا الطريق المنحرف؟
ما زلنا ونحن على أعتاب السنة السادسة عشرة، من سقوط نظام صدام حسين، نعاني من أزمة الفساد المالي والإداري في كافة مرافق الدولة، ومع كثرة المؤسسات التي تراقب (كما قلنا)، لكننا لا نجد من علاج ناجع لهذه المسألة الحساسة، ذلك لأن أسباب كثيرة تقف في طريق معالجة هذه الآفة الخطيرة، منها إنخفاض الأجور بالنسبة لموظفي الدوائر الحكومية، مقارنة بعملهم المضني، وإرتفاع معدلات التضخم، وما يرافقه من إرتفاع أسعر السلع والخدمات التي تدخل في صلب الحياة اليومية.
قد يتصور البعض بأن كثرة هذه المؤسسات، عامل مهم في تقليل الفساد المالي والإداري، ونحن نجيبه بالنفي؛ ذلك لأن المرتشي؛ سواء كان موظفا بسيطا، أم مديرا لدائرة معينة، لديهم من الأساليب ما يجعله يتملص من الرقيب بسهولة، كما أن التهديد والوعيد، يفعل فعلته في الأمور التي لا تنفع معها الحيل التي يعرفها المرتشي، أزاء ما تقدم فإننا نتصور بأن العمل على إستخدام التقنيات الحديثة (الأنترنت) في تمشية المعاملات، والعمل بنظام النافذة الواحدة، خاصة في المشاريع الإستثمارية، ومنح الأشخاص صلاحية منح الموافقات اللازمة لهذه المشاريع، ومنح الحوافز للعاملين فيها، بالإضافة الى منح زيادة في رواتب الموظفين، تتلائم مع إرتفاع الأسعار، هذه كلها أمور يريدها المواطن أن تتحقق في بلد ميزانيته (التي لم تقر لحد الأن) تتجاوز المائة مليار دولار بكثير.
محاربة الفساد إذن لا تأتي عن طريق زيادة مؤسسات النزاهة، ومكاتب المفتشين العموميين، بل عن طريق تحصين الموظف، وهذا يأتي عن طريق مساواة رواتبهم، بالجهد المبذول، وكذلك بمنحهم ما يستحقونه من درجات وظيفية.
أخيرا فإن تفعيل دور منظمات المجتمع المدني، والسلطة الرابعة، في كشف هؤلاء يبقى له أثر فعال وتعريتهم،بالإضافة الى دور هذه المنظمات في رفد السلطتين التنفيذية والتشريعية، بالأفكار البناءة فيما يخص العاملين في دوائر الدولة، خاصة وأن الكثير من الموظفين عندما بدأ عمله كان يحمل شهادة معينة وتم تعيينه على اساس هذه الشهادة، وهو الأن يحمل شهادة أعلى، والمفترض أن يتم تقييمه على أساس هذه الشهادة، لكن قانون الخدمة المدنية رقم 22 لسنة 2008 لا يعالج هذه المسألة، بالتالي فإن لمنظمات المجتمع المدني والإعلام، دور في التنبيه لهذا الخلل وضرورة تعديله لإنصاف هؤلاء. هذا وغيره الكثير ما يريده المواطن.
https://telegram.me/buratha