حميد الموسوي
ترى ما الذي يمنع تشكيل الكتلة الاكبر - والتي يقع على عاتقها تشكيل الحكومة العراقية- لحد الآن؟! مع أن البلاد أحوج ما تكون الى حكومة قوية موحدة؟! خاصة بعد أن طغت على المشهد تحديات خطيرة اقليمية ودولية فضلا عن ان الحالة الأمنية والاقتصادية في تدهور مستمر، وتراجع محبط. مظاهر مقومات الدولة تنحسر وتتقهقر؛ سيادة منطق القوة والفلتان،البطالة والفساد الإداري والمالي يتفشيان بمساحة فاقت فايروسات الإيدز وانفلونزا الطيور وجنون البقر.
ازمات شحة المياه ،والكهرباء ، والصحة ، والخدمات . التظاهرات تجتاح مدن الجنوب والوسط .ماذا تنتظرون ؟!.
فما دامت الظروف أكبر من هذا الواقع، وما دامت ألسنة لهب الفتنة تتعالى، وما دامت القوى السياسية تلتقي وتتعانق وتتحاور، وما دام الجميع يريدون ويفضلون تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، وما دامت.. وما دامت... إذن أين هو مكمن العلّة؟! والى متى نتنقل ببطء السلحفاة والأمور تتجه نحو الهاوية؟!.
إن استمرار أزمة تشكيل الحكومة العراقية حتى اليوم - برغم مرور أكثر من ثلاثة اشهر على ظهور نتائج الانتخابات التشريعية. بسبب الاختلافات بين قادة القوائم الفائزة حول شخصية رئيس الوزراء وحصة كل فريق من الوزارات على الرغم من خطورة الأوضاع الأمنية وتدهورها - تقع مسؤوليتها على كل القوى الوطنية التي يهمها انقاذ العراق وشعبه. ومهمة معالجة هذا الوضع المأساوي الخطير الذي يعيش تحت طائلته شعب العراق الصابر يتطلب بكل تأكيد تعاون الجميع فليس بمقدور أي قوى سياسية لوحدها ومهما كانت صفتها وسعة قاعدتها الجماهيرية وامكانياتها أن تحقق الأمن والاستقرار والازدهار في بلاد أحالتها الحروب الى أنقاض وأحالها الإرهاب الى أنهار من الدماء..
ومع ما يمثله تشكيل الحكومة العراقية الدائمة من أهمية ومطلب شعبي -كونها في نظر الجميع غاية ووسيلة نظرا لما يناط بها من مسؤوليات تنفيذية وما تحمله من معان ومفاهيم سياسية وإدارية تترجم ميدانيا البرنامج الانتخابي الذي طرحه هذا الكيان أو تلك الكتلة وتعهد أمام جماهيره على تنفيذ جميع فقرات ذلك البرنامج بحرص واخلاص، حيث إن الحكومة عبارة عن الواجهة الحقيقة لفلسفة النظام السياسي الجديد، والمعبر الحقيقي عن نظام ومرحلة ما بعد التغيير بعد تداعيات ثقيلة لواقع سياسي واقتصادي واجتماعي لحقب مريرة معتمة-. إلا أن النظم الدستورية تشدد وتعنى بالسلطة التشريعية والسلطة القضائية أكثر من السلطة التنفيذية والتي لا بد من خضوعها الى تينك السلطتين. فالجمعية الوطنية. أو مجلس النواب. أو البرلمان هو عبارة عن هيئة تشريعية يتحمل كل عضو من أعضاء هذه الهيئة مسؤولية الأمانة التي وضعتها الأصوات في عنقه. تلك الأصوات التي توسمت فيه الخير واختارته كنائب لها وممثل شرعي في الهيئة التي تسن قوانين البلاد وتشرعن الأنظمة، وتصدر التعليمات والتوجيهات الملزمة للحكومة المنبثقة عنها والخاضعة لرقابتها وفق تخويلات الدستور الذي يمثل مصدر السلطات الثلاث. وهذا المفهوم وإن كان جديدا على شعبنا الذي رزح تحت تعسف السطات الدكتاتورية. فما يزال وهما في الأنظمة الشمولية والشوفينية التي تسود العالم الثالث.
على أنه أصبح أمرا بديهيا عند الشعوب المتحضرة التي تبنت أنظمة ديمقراطية منذ بداية القرن الماضي وقطعت أشواطا بعيدة في جميع المجالات نتيجة سياسة الانفتاح والحرية التي تتيحها تلك النظم وما توفره من فرص على شتى الأصعدة، وما تخلفه من اجواء لتنامي الأنشطة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وما تقدمه من دعم للابداعات العلمية. وهذا ما تسعى لتحقيقه التجربة العراقية الرائدة على مستوى المحيط الإقليمي والعربي على حد سواء.
وبما الاوضاع الاقتصادية والامنية والاجتماعية والصحية والخدمية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالاوضاع السياسية، والاوضاع السياسية ممثلة بالبرلمان والحكومة والقضاء فمن الخطورة بمكان تأخير تشكيل الحكومة وبرلمانها وقضائها .اذ كيف تقوم المشاريع الحيوية والثانوية من دون وجود حكومة ؟ ومع من تتعامل الشركات العالمية والمصارف الدولية والمقاولون الكبار والصغار ؟ وكيف يستمر التعامل التجاري ، كيف تنتعش الاسواق المحلية والمهن والحرف ؟كيف تنشط قطاعات السياحة والمنتوجات الصناعية والزراعية ؟ كيف ... وكيف ..وكيف؟!.انه الركود والشلل الاقتصادي بعينه .
من يستطيع تقدير حجم الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد العراقي في كل يوم يمر ؟!.
ونحن نتطلع بشغف الى الاسراع بتشكيل الكتلة الاكبر وعقد جلسة البرلمان وتشكيل الحكومة نقول :
لقد اختار العراقيون طريق الديمقراطية أملا في الحصول على المزيد من حقوقهم التي صادرتها السلطات التعسفية خلال تسلطها على مقدرات هذا البلد. وبسلوكه هذا الطريق إنما يتطلع الى مستقبل مشرق بعد أن يستعيد الوطن عافيته، ووضعه الطبيعي في المنظومة الدولية. إن المسيرة الجديدة التي قطعت أشواطا بعيدة وناجحة خلال فترة قياسية يجب أن تلاقي الدعم اللازم باطاعة واحترام القوانين من أجل وضع دعائم النهوض بالمجتمع العراقي الجديد. وأن يوضع في أولويات كل عمل مسألة الحفاظ على الأمن من خلال الحفاظ على الوحدة الوطنية والأهداف المشتركة وجعلها عهدا بين الشعب والحكومة. فإن طريق العنف والسلوك العدواني الذي اختطه الإرهابيون يهدف لتفريقنا ليسهل عملية الاجهاز على التجربة الديمقراطية والعودة بالبلاد وجماهيرها الصابرة الى عهود السلطة الدكتاتورية الغاشمة ولكن مجرد الظن والتفكير بهذا الأمر هو ضرب من ضروب الوهم والخيال. لذلك يتوجب على جميع الهيئات ومؤسسات المجتمع المدني من جمعيات ونقابات وحركات مساندة الحكومة المقبلة في الوقوف بوجه هذا المد الخطر لأن البلاد تمر بمرحلة حساسة وظرف حرج فالصمت واللامبالاة لها نتائج أخطر وقد تشجع الإرهاب على التمادي في ترسيخ ثقافة العنف واشاعتها بين شرائح شعبنا المتعايشة بود وقد تدخل البلاد في نزاع طائفي لا يبقي ولا يذر.
https://telegram.me/buratha