أمل الياسري
التفكير عملية مؤثرة ومنتجة، واذا فقدها الإنسان بات بلا بوصلة، وتتلقفه الأمواج والرياح يمنياً وشمالاً، وهنا يرد مفهوم البصيرة الذي يعني أن ترى بعينك وعقلك وقلبك معاً وتعطيك رؤية عميقة فالمفترض بالإنسان أن يتفكر فهو حياة قلب البصير حيث النظرة المتفحصة الدقيقة التي يبحث صاحبها عما وراء الحدث ولا يقتنع بما يراه بعينه من الظواهر الشكلية بل يريد ما وراء الظاهر وحتى نكون أمة واعية لابد من التفكير بعيداً عن تأثيرات المجتمع الصاخبة.
المرجعية الدينية العليا في خطبتها الجمعة (19ذو الحجة 1439 للهجرة والموافق 31/آب/2018) أكدت على أن الأمة التي تقف بعمق امام كل ظاهرة وعند كل قضية لا ولن تضيع ولا تهزم وهذا ما يقلق أعداءنا فصمام الأمان الذي مُنِحنا عطاياه والمتمثلة بمرجعيتنا الرشيدة ومهما كان عدونا متمكناً ومسلحاً فلابد من التصدي له شرط أن نصنع الأرضية المناسبة للحلول وتحديداً فيما يتعلق بالواقع الثقافي لشبابنا اليوم والذي بات متدنياً وخطيراً ومرعباً وهنا مكمن الخطر.
التصلب في المواقف يخاطر بمشروع بناء دولة الوطن والمواطن، ويدفع بالناس للمزيد من اليأس والإحباط، فكيف بالشباب وهم يشاهدون حجم الدمار والفوضى وهي تنخر ببلدهم، وبالتالي تلقي تبعاتها عليهم، فعدم توفر الخدمات، وشيوع الفساد المالي والإداري والأخلاقي، وجرعات الديمقراطية الهدامة الوافدة إلينا مع التغيير بعد عام (2003)، محصلتها أنشأت جيلاً مائعاً لا يطربه الإستماع والإسماع، والإطلاع والإستطلاع، وكأنه يمارس مقاومة فكرية ضد كل ما هو أصيل ونافع في مجتمعنا وهذه طامة كبرى!
هناك بوادر أمل تعول على طاقات شبابية جديدة ومبدعة، لا تعيش عقد وتراكمات الماضي، وهي مشتركة مع أصحاب الخبرة والتأصيل، والقادرة على التغيير والتجديد، ومواجهة التحديات الثقافية والفكرية ،التي أشارت إليها مرجعيتنا الرشيدة، مطالبة الشباب بأن يعوا خطورة الزمان الذي نعيشه، فيجب ألا تُستأجر العقول مهما كانت المغريات، فالعدو يخطط وشتى الوسائل القذرة، لإغراق أجيالنا في متاهات الإلحاد للقضاء على إسلامنا العظيم، وهذا سيوقعنا في مطبات وتخبطات لا يحمد عقباها، وهنا مربط الفرس.
الشعوب تبقى والأوطان تصمد بذخيرة مستقبلها، وهم الشباب لذا يجب الإهتمام بهذه الشريحة وتفجير طاقاتها، ومدهم بزخم معنوي وروحي كبير، وحسنا فعلت المرجعية الدينية، حين قرعت جرس الإنذار للإشارة الى حجم المخاطر التي تتربص بالشباب، وإذا مرت مرحلة تشكيل الغيوم السوداء، طيلة (15) عاماً من الإنفتاح والتفاعل المتزايد مع العالم، فلا يمكن التنبؤ متى ستبدأ السيول الجارفة وبأي إتجاه ستقود شبابنا، وعلينا أن نحصن مجتمعنا لئلا يكون العراق ممراً لهذه السيول، فتأخذنا أخذاً وبيلا.
الحرية المنضبطة تمهد الطريق أمام الشعوب لتصل الى مبتغاها، فمهمتنا كبيرة لبناء الوطن، وطريقنا طويل لخدمة المواطن، ولن نبحث عن الإنفلات المجتمعي، لمجرد أننا فرحنا بالديمقراطية، بل على العكس الشباب بحاجة الى الطعام المعنوي قبل المادي، لأنهم ثورة وذخيرة فوق مقاييس الربح والخسارة، وهم صناع المستقبل، فلا يمكن لنا بناء عقل شاب صحيح وقلبه مريض، وبما أننا لن نتحجر أمام دوران الزمن، فعلينا ألا نفكر في صخب، بل علينا التفكير بهدوء تام.
https://telegram.me/buratha