كاظم الخطيب
أمم لا تحدها حدود، حادثة في الوجود، فما هي بالأوطان ولا هي مختصة بزمان، فمنها قديم أزلي، ومنها حادث جدلي، أمم تخلقها المواقف والأحداث، وتلونها العقائد والسنن، وقد تكون نتاجا لملاحم وفتن، تحدد ملامحها التبعية والولاءات، وترسم سياستها المصالح والغايات.
الخير والشر، الفساد والإصلاح، الشرف والرذيلة، السمو والإنحطاط، القناعة والجشع، الشجاعة والتخاذل، المواجهة والغدر، الإيمان كله والكفر كله.. إلتقى جميع ذلك في منازلة دامية، ومعركة حامية، حددت ملامح الموت والخلود، على بقعة تسمى كربلاء.
كربلاء هي تلك البقعة المقدسة التي نزل في ساحتها إمامان، شتان بينهما، أمام بر وهدى، وإمام كفر وخنى، حسين بن علي بن أبي طالب ، ويزيد بن معاوية بن أبي سفيان، حسين بن فاطمة الزهراء سيد النساء، ويزيد بن هند آكلة الأكباد، حسين ريحانة رسول الله، ويزيد إبن الطلقاء، نزلا في كربلاء ليؤسس كل منهما أمةً ويخط منهجاً.
ضحى الحسين بن علي، بخيرة الأصحاب على مر الدهور، ونخبة الأحباب من نور ونور، وأشرف الإخوان على مدى العصور، أبي الفضل العباس بن علي بن أبي طالب، قمر بني هاشم ، كما قدم رضيعه عبد الله قرباناً لله تعالى، وتقع كبده عطشاً، وتكسر فؤاده حزناً على نسائه وعياله، وتلقى الحجارة على جبهته، والسهام في مهجته، والسيوف على هامته، وحوافر خيل الأعوجية على صدره، وحز نحره الشريف بيد الشمر اللعين، وسبي عياله مكبلين، كانت تلك هي مراحل إنتصار الحسين في كربلاء.
وصلت سبايا الحسين إلى الشام، دخلوا إلى مجلس يزيد، وضعوا رأس الأمام الحسين أمامه، أخذ يضرب ثنايا الحسين بمخصرته، وهو يقول..
ليتَ أشياخي ببـدرٍ شَهِـدوا
جَزَعَ الخزرجِ مِن وَقْعِ الأسَلْ
فأهَلَّـوا واستَهـلُّـوا فَرَحـاً
ثمّ قالـوا: يا يزيـدُ لا تُشَلّْ!
لستُ مِن خِنْدَفَ إنْ لم أنتقـمْ
مِن بني أحمدَ ما كان فَعَـلْ!
هاهو يزيد يعلن على الملأ إنه قد ثأر لأجداده الذين ماتوا على دين الصنم، من خلال قتله لريحانة رسول الله، وكانت هذه بداية هزيمة يزيد بن معاوية.
إنتصر الحسين بن علي بعد أن حز دمه الشريف، رقبة سيف البغي يزيد، ومنذ ذلك اليوم، أسس الحسين دائرة للتجنيد، من خلال النداء الخالد الذي أطلقه في كربلاء( ألا هل من ناصر ينصرنا؟) وتوالت جموع من المؤمنين على اللحاق بركب الشهادة مع الحسين، ومقابل ذلك أسس يزيد دائرة للتجنيد، ولسان حاله يقول (ألا هل من ظالم لمحمد وآل محمد، ألا هل من ناصر لدين الصنم) وتوالى أبناء الزنا ونطف الحيض على اللحاق بركب الظالمين لمحمد وآل محمد والتابعين لهم بإحسان، فكانت عاشوراء صفة لكل يوم، وكربلاء سمة لكل أرض.
أنقضى عصر يوم عاشوراء، وإنتهت رحلة السبي، وكانت بعد ذلك أمة الحسين، وكانت أمة يزيد، وصار حشد شعبي مقدس، وصار داعش.
أمة تهدي إلى سبيل الله، وأمة تدعوا إلى سبيل الشيطان، أمة قدرها أن ترث الأرض ومن عليها، وأمة تضيق عليها الأرض بما رحبت( وما للظالمين من أنصار) .
https://telegram.me/buratha