جاسم الصافي
دائما يكون السؤال لمن يقرأ التاريخ هو : لماذا يكون اغلب الحكام طغاة ؟ .. يحكمون وفي تصورهم أنهم سلاطين الدنيا والآخرة ، الى درجة أن بعضهم يقاسم الله ( عز وجل ) في ملكة بل يزيحونه بالمرة !!.. كما فعل الفراعنة بالأمس ، وحكامنا العرب اليوم ، وان لم يعلنوا ألوهيتهم جهرا إلا أنهم يعتقدون ، بل يؤمنون بان هذا هو حقهم الطبيعي ، شرع لهم من أسلافهم وأعوانهم وخدمة عروشهم ، حتى أصبحت هذه المعتقدات ثوابت سياسية واجتماعية ودينية وثقافية عند شعوبهم ، لهذا لم يستطيع أحدا لا من الحكام ولا من شعوبها أن يصدق رياح التغير هذه ، بل ويصعب علينا نحن أيضا أن نفهم عقدتهم السلطوية تلك ، لكونها لا ترتبط بهم كحكام فقط ، بل هي عقد موجودة فينا نحن كشعب ، فنحن تركنا الأمور هكذا وسمحنا لمثل تلك الشخصيات الكارتونية أن تحكم كل هذه السنين رغم أنهم مجرد مسوخ نفخهم خيالنا اوهامنا خوفنا فأصبحوا هكذا فراعنة ، واذكر قول فرعون حين سؤال
: لماذا تفرعنت فأجاب
: لاني لم اجد من يقف امامي
واليوم هم يتساقطون الواحد تلو الأخر ولكن لكل منهم مزاجه وأسلوبه في ذلك ، وللشعوب طرق لازاحتهم حتى أن حاول بعضهم أن يرميم عيوب سلطانه فهو لاجل حماية عروشهم وبكل وسيلة فهم ( لا يخلعون ثوبا ألبسني الله إيه ) هذا النص القديم الذي اخرس الشعوب ، وقدموا فروض الطاعة لظل الله على هذه الأرض الملعونة ، فالشعب حرافيش ليس لهم حق ألمطالبة بحرية يمكنها أن تغضب ظل الله ، اما نصيبهم سيستوفونه في الآخرة ، هذا ما ترك الباب مفتوح لتسلط الطغاة على رقاب العباد ، وبعد أن زاد طغيان مع زيادة اموالهم التي أضعف عندهم النزعة الإنسانية وصار الناس على دين ملوكم حتى شاع تقبل السرقة والغش والدعارة والرشوة ، وتعدى الجميع على كل مبادئ وأخلاق أرضية أو حتى سماوية ، وبهذا الصدد نذكر قول الماوردي ( أن الجور يفسد ضمائر الخلق وأن لكل جزء من الجور قسطا من الفساد حتى يستكمل .. ) وهنا لا يمكن إصلاح الأمر بالسياسة ولا بالموعظة الدينية ، وهذا ما أثبتته التجربة المسيحي في أوربا والتي تتلخص في ( أن المواعظ الدينية لا تأتي نفعا حين تصطدم بوعي المظلومين ) واليوم وبعد ذلك التغير انعكس جور الحاكم على سلوك أجهزة الدولة !! بل ومؤسساتها ، حيث التف الساسة على مفهوم الديمقراطية واغلق كلاب العوز على الناخبين لانتزاع بصمت أصابعهم البنفسجية ليتسلق من يتسلق على أكتاف الدولة وعلى مفهوم الديمقراطية ويستولوا على الحكم ، باحتواء المؤسسات ألتابعه للدولة ، بل وخلق مؤسسات مجاورة توهم الفرد وتخلط عليه ما له وما عليه ، لتضيع الحقوق بإهمال الوجبات ، وهو ما جعل الفساد عرفا يرضى عنه المجتمع بل ويشجع عليه ، بعد أن أطال الحاكم عوز الفرد فأستعبده وبعد أن امتلك الحاكم حرية لا يستوقفها شيء ، منحته الامتياز والاستثناء والحصانة ، فلم يسال قانونية ولم يلاحق قضائيا ، وهذا ما خلق لدينا اليوم دولة بأكمله مرتشية .
ان كنا قد حاربنا الإرهاب من قبل بقوة السلاح فان إرهاب الفساد الان لا يمكننا قطع منابعه ألا بتطبيق العدل ، عدلا في التصحيح ، عدالة في التوزيع ، عدلا يهتم في تقليص الفوارق الطبقات التي أوجدتها السلطة ، عدلا في تحجيم دور الحاكم بصلاحيات محدده لا تتعد الدستور ولا تدر بالفائدة عليه وعلى وازلامة فقط .
ولا بد أن نفهم أن الإنسان حر إذا لم تعقد حياته بضوابط سلطوية متشابكة يتنازل بها عن حريته ، واقصد الروتين الذي يستعبده ويروضه لإذلال نفسه أمام حاجاته البسيطة ، أنها المؤسسات المقنعة ، التي وجدت بعد التغير لتغطية تفرد الحاكم بالسلطة ، ولإيصال رسالة مظللة لمن يقرأ الشارع بسطحية ، بأننا نعيش في بحبوحة دولة ديمقراطية مؤسساتية ، ومثل هذه المؤسسات ، الإتحادات والنقابات والجمعيات التي لم تنل استقلالها حتى يومنا هذا بسبب عدم توفر الدعم لها ، وسقوطها في تركة المحاصصة الحزبية العشائرية ، وينطبق هذا الأمر على شبكة الحماية الاجتماعية وعلى مؤسسة السجناء والشهداء والمهجرين والمهاجرين وهي مؤسسات توزع الحقوق بشكل غير عادل ، وان وزعت فهي على اعتبار أنها مكرمة من السلطة وليست استحقاق للفرد من الدولة ( استجداء ) ، وكذلك أشباه المؤسسات المتواجدة اليوم في كل مكان وفي حقيقتها هي مكاتب حزبيه وعشائرية وخير مثال هو الصحوات ومكاتب شؤون العشائر والفلاحين والمتقاعدين والعسكريين وغيرها التي لا يمكن حصرها ، فكلها مؤسسات لصالح السلطة وليس للدولة منها في شيء ، هذا إضافة الى أربعين وزارة لكل وزير أربعة وكلاء ولكل منهم جيوش من المستشارين والموالين ، والعجيب أن كل هذه التخمة الحكومية لكننا لم نسمع عن قانون للنفط أو الغاز أو الاستثمار أو البناء أو الزراعة أو الأعلام أو الأحزاب ، وفي النهاية اختم كلامي هذا بمسك من كلام الأمام علي (ع) اذ قال ( لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم ) وهذا النهي يأتي بالكلمة الطبية التي تخدم الناس وتنصح السلطة الحاكمة ، وكما يقول مالك ابن دينار ( إذا سمن الأمير بعد الهزال فاعلموا انه قد خان رعيته وخان ربة ) .... فربما لا يعلم السلطان أنه أتخم بممتلكاته ومؤسساته الحزبية وبهذا يكون قد خان أهله وخان ربه
https://telegram.me/buratha