حميد الموسوي
بين شعارات الاستهلاك المحلي وبين الافكار والطروحات الرصينة الوقادة: مسافة. وبين اتخاذها قنطرة وصولية او تبنيها مبادئ والاستشهاد دونها: مسافات.
وما لا نهاية تفصل بين رواد الثورات وقادة التحرر وبين قاطفي ثمارها والمستأثرين بمنجزاتها. فالذين رفعوا رايات الاقتحام وخططوا للنصر مضوا...والذين جابهوا الطوفان وصارعوا الاعصار صنعوا النصر لكنهم تهاووا على ضفافه كالنجوم الازاهر ليرتوي الاخرون!.
ذهبوا قبل ان يتلمظوا بذلك الرواء.
كان اكثر الناس نصيبا من ذلك النصر اقلهم تضحية في سبيل تحقيقه، واضعفهم همة في تثبيته، واوهنهم عزيمة في حماية مكتسباته!.
منذ اعوام .. اعوام عجاف وانا اتفرس وجوها وادقق اسماء... واتصفح صورا: مسؤولين حكوميين كبارا وصغارا، رؤساء..وزراء ..اعضاء جمعيات وطنية ومجالس نواب..ومجالس محلية وبلدية، اعضاء بارزين متصدين لمناصب مهمة وغير مهمة واجهات عريضة وطويلة تناوبت وتوافقت وتبادلت مراكز.
منذ سنين و اعوام وانا ابحث بين هؤلاء واولئك عن اخوة ذابت عظامهم في احواض الاسيد، واخرين فرمت لحومهم في فرامات طواغيت العصر من اجل رأي، استماتوا في الدفاع عنه. ابحث عن احبة دفنوا احياء على طول وعرض خارطة العراق كونهم اطلقوا صرخة المظلومين المكبوتة التي افزعت المستبدين. ابحث عن عراقيين مسالمين سحقتهم دبابات الحقد الشوفيني حين مشطت محافظات الوسط والجنوب المنتفضة ،و قرى آشور في سهل نينوى ومزقت ازقة صوريا، ودفنت اهوار الجنوب. ابحث عن اطفال وشيوخ ونساء القت بهم ناقلات العنصريين الشوفينيين الجلادين المتعسفين على الحدود وفي مجاهيل الصحارى بعدما ذبحت شبابهم وصباياهم، ابحث عن ابرياء احالهم الحقد الكيمياوي في حلبجة والانفال رمادا. ابحث عن امهات لم تنطفئ حرقة فقد ابنائهن.. عن اخوات هتك البرابرة اعراضهن وذبحوا اطفالهن في حجورهن..عن رموز وطنية ودينية من علماء ومراجع ومفكرين ومثقفين واباء وقساوسة اهينوا واعدموا لمجرد الظن والشك. ابحث عن جحافل المشردين والمعذبين والمنسيين في زنزانات ومطامير اعداء الانسانية.. عن الذين بترت اطرافهم، وسملت عيونهم، وجدعت انوفهم، وجذت السنتهم، وصلمت آذانهم، ووشمت جباههم.. عن الثواكل والارامل واليتامى.. عن كل هؤلاء الذين شكلت مواقفهم هزة في صروح الطغيان ودكت كيانه وصارت صيحاتهم سببا في فضح ممارساته وجرائمه.. وقدموا ارواحهم واحباءهم قرابين من اجل اسقاطه!. بحثت ومازلت ابحث عنهم لم تلح لي رسومهم في مواقع جني الثمار.. لم أتخيل اشباحهم وسط المحتفلين بالانتصار.. لم اتوسم حتى اشباههم... لم اجدهم في بيوتهم الموحشة التي لا تزار ولا يدري بها احد. لقد اندرس ذكرهم وطواهم النسيان بعدما انشغل القاطفون بجني ثمار غرسهم المعمد بدماء شرايينهم، واليانع بانفاس ارواحهم الطاهرة.
يبرر المنتفعون : بان هذه هي سنة الحياة!. ولا والله انه جشع البغاة، واستئثار انانية النفوس الشحيحة، واستحواذ المطامع الطاغية.
ومعاذ الله ان يجعل للمضحين الكفاف والحرمان والادقاع نصيبا وقدرا لا مفر منه. ويجعل الرغادة والسعادة والاستئثار بالمنافع مكا فأة للمتفرجين.