ضياء المحسن
تفتقد الأمة اليوم منظمات مجتمع مدني فاعلة ومنابر ثقافية تدعو الى نبذ التعصب والشحن الطائفي، وتوجِّه نحو التعايش والتسامح. وهو أمر يحرك في النفس شعور بالألم والحسرة لما آلت اليه الامور في أمة الإسلام من مظاهر الفرقة والفتن ونشر الكراهية بين مكونات مجتمعاتنا. إن محاولة البعض التنقيب في كتب التاريخ التي مضى عليها أكثر من ألف وأربعمائة سنة، يدعو الى التساؤل حول الغرض الحقيقي من هكذا فعل، في الوقت الذي يقول الله سبحانه وتعالى ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)). لقد سادت الصراعات السياسية تحت غطاء المذهبية من قبل أولئك الذين ديدنهم التناحر وتعميق الشروخ، وهناك من يستغلها من السياسيين بإثارتها ببراعة لتحقيق أهدافهم وأجنداتهم الخاصة، والمؤسف في الأمر كله أن هناك جمهوراً من العقليات الساذجة التي تقبل وتتجاوب مع هذه الطروحات، وهناك من امتهن اصدار الفتاوى التكفيرية بالتحريض على كراهية من يختلف معه في الفكر والاجتهاد والمذهب، هم مشايخ الفتنة والجهل الذين يستغلون الدين ليثيروا المشاعر، ويتفننوا في غسل عقول الشباب وزرع نفوسهم بالكراهية والعصبية. الإمام علي (عليه السلام) يقول « قصم ظهري رجلان: جاهل متنسك، وعالم متهتك، ذاك يغر الناس بتنسكه، وهذا يضلهم بتهتكه! ».
تواجه الأمة الإسلامية تحديات خطرة في ظل الضروف التي نعيشها اليوم، يمكن إجمالها بمحاولة بعض الجهات نشر ثقافة الفرقة والكراهية بين أطياف المجتمع، الى درجة التحريض على قتل الآخرين، تحت شعار المرجعية الدينية (سنية كانت أم شيعية) في الوقت الذي تنادي فيها تلك المرجعيات المحترمة بأن يكون المواطن على درجة عالية من الحكمة في تعامله مع الآخر، لتجنب سفك دماء المسلمين. كما نلاحظ سياسة التمييز التي يمارسها المسؤولون في دوائر الدولة كافة " بدون استثناء" خاصة ما يتعلق منها بالتعيين وعدم تطبيق مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين وبما يرسخ مفهوم المواطنة وحقوق الإنسان، كذلك ملاحظة وجود من يحاول تأجيج الشارع بإثارة الحقد، ونشر خطاب طائفي؛ وهو ما يهدد وحدة البلد.
نحن الأن بأمس الحاجة الى وجود منظمات مجتمع مدني فاعلة، بالإضافة الى منابر إعلامية تنبذ التعصب والتطرف من جميع الأطراف، وتؤسس لخطاب يدعو الى الوحدة والتلاحم بما يتناغم مع تعاليم كتاب الله العزيز وسنة الرسول الأكرم "صلى الله عليه وأله وسلم" ومنهج اهل البيت عليهم السلام والصالحين من صحابته، لإبراز مساحات الاتفاق "وهي كثيرة" بما تؤدي الى التوافق والتعايش، وتقلل من مساحات الاختلاف بين أطياف المجتمع. والمجتمعات الغربية ليست بأحسن منا، حيث نقرأ عن منظمات مجتمع مدني تتصدى لمن يثير تلك النعرات والتي تهدد أمنهم. والأمر ليس بالعسير ولا بالصعب بوجود العديد من علماء الدين، الذين يدعون الى الوحدة، وما نحتاجه فقط التوكل على الله...
https://telegram.me/buratha