امل الياسري
مر أبو وهب (البهلول) بأحد أزقة الكوفة، فوجد أطفالاً يلعبون بالجوز والصنوج، إلا طفلاً يجلس بجانب الجدار متفكراً لوحده، فتقدم إليه بهلول وقال له:أعطني يدك لأذهب بك إلى السوق، لأشتري لك لعباً مثل هؤلاء الأطفال يا حبيبي فقال الطفل:ماخلقنا للعب يا رجل فردَّ بهلول:ولماذا خلقنا إذن يا حبيبي؟ فأجابهالطفل:لعبادة الله سبحانه وتعالى فقال بهلول:ومن أين لك هذا؟قال:من قوله تعالى:(أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون)، ومن قوله تعالى:(وما خلقت الجن واﻷنس إلا ليعبدون).
يقول بهلول: فإنكببت على الطفل، فوضعته في حجري، ومسحت وجهه، وقلت له:حبيبي لما هذا الجزع وأنت صغير السن، ولم تعمل من الكبائر مايجعلك تتكلم هكذا؟فقال الطفل:إليك عني يابهلول، والله لقد رأيت أمي تضع صغار الحطب بالنار قبل كبارها، فقلت:لا أُماه دعي الصغار وشأنهم، وإجعلي النار تعمل بالكبار فقالت: ياولدي إن الكبار لاتعمل إلا بالصغار، أفلا يخشى المرءُ أن يكون من صغار حطب جهنم؟(فلا تنظر يابهلول إلى صغر مافعلت، بل أنظر إلى عِظَم مَنْ عصيت ).
فقال بهلول: فلما سمعت هذا أغمي علي، ولما أفقت لم أجد ذلك الغلام، وسألت عنه فقالوا :أولم تعرفه يا بهلول فقلت: لا فقالوا :هذا علي الرضا بن موسى الكاظم وجده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال بهلول:والله هذه الحكمة الجارية، لا تصدر إلا عنهم (سلام الله عليهم أجمعين)،آل البيت ورثة علم الأنبياء، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، أي علم هذا الذي يحمله غريب طوس الإمام الرضا (عليه السلام)؟ أي زهد يتشرب قلب أنيس النفوس؟
المسؤولون الصغار الذين باتوا هذه الأيام حطب الدولة العميقة، حيث تغلغل الفساد المالي والإداري فيها، لا ينم إلا عن هذه الحالة التي وصفها الإمام الرضا(عليه السلام)بأيامه، فلا فرق كبير بينهما وكأنهم خلقوا للنهب، والى الله لا يرجعون، فأمسى العراق في ظلهم أكثر خراباً، لولا كلمة سبقت من ربك، فهدأ روع الأرض والعرض، ألا يدرك ساسة الفساد والتقسيم أنهم أخطأوا الطريق، وقد مضى وقت كثير عانى فيه العراقيون ما عانوا، أفلا يخشون أن يكونوا حطب جهنم؟!
مشاريع سياسية مشوهة تعطي إشعاراً للفاشلين، أنهم باءوا بغضب من الرب ولن يرضى الشعب عنهم، وستكون للشعب كلمته، لتفرض واقعاً سياسياً جديداً، لتيارات وطنية متشحة بالإعتدال والحكمة والتعايش والمقبولية، وإلا فالبلد مقبل على مؤامرات أكثر خبثاً من ذي قبل، تجلب لنا مشاكل عديدة من زوايا متعددة، وعندما تحضر العزيمة والإرادة، فلا مجال للمستحيل وستلقي بظلالها على مستقبل العراق، والأمنيات تضع أقدامها بين هتافات المواطنين، الذين تشبعت أرواحهم بالدموع والدماء منادية: أليس الصبح بقريب؟!
https://telegram.me/buratha