كاظم الخطيب
من الغريب والمحزن جداً، أن تكون الأمور العامة، كرة تتقاذفها قناعات فردية، وإجتهادات شخصية، والأغرب من ذلك كله؛ هو أن تكون وطنية أحدهم هي في الوقوف عقبة بوجه تشكيل حكومي، أو تشريع قانوني، أو مشروع وحدوي؛ بحجة المكون، والحزب، والطائفة.
عمدت أغلب الأحزاب والكتل والكيانات السياسية، إلى تمزيق وحدة الصف الجماهيري، حرصاً منها على إضعاف موقف الجماهير، وتبديد إرادتها أمام الممارسات الجوفاء والتصرفات الرعناء التي تقوم بها قيادات ورموز ورجالات هذه الأحزاب.
الجماهيرية حل مركون على رفوف المتاجر السياسية، لم يلتفت أياً من الساسة في العراق لهذه القوة إلا في حالة الحشد الإنتخابي، أو الزخم الجهادي، وبعد ذلك تنبري وجوه كالحة لمصادرة الإنجاز الديمقراطي الذي حققته الجماهير، والإستحواذ على المكاسب التي تحققت من خلال المد الجماهيري الثوري، المتمثل بالحشد الشعبي.
حكومة خدمة، ذات برنامج ناجح، وتوجه وطني سليم، قد نالت توافقاً سياسياً، وتأييداً مرجعياً، ودعماً شعبياً، وترحيباً دولياً، يخيل إليك للوهلة الأولى، ونتيجة لما تراه من مميزات وإمتيازات هذه الحكومة؛ أنها سوف تحقق الإنجاز تلو الإنجاز، وأنها ستكون بلسماً يداوي جراح الكادحين، وأنها سوف تكون كفاً يصفع وجوه الخائنين، وسوطاً يلهب ظهور الفاسدين.
حكومة توافق جميع الساسة علناً على تقديم الدعم المطلق لها، وإصطلحوا سراً على إحاطتها بأذرع الحزبية والمحاصصة والتفرد بالقرار، والإحتفاظ بحق الإختيار، والعمل على إجبار عبد المهدي على أن يحكم بسنة الشيخين- المالكي والعبادي- وأنه لا مساس ولا جناح له على إرادة الأحزاب، ولا على أي من الرموز والأقطاب.
الدولة، الحكومة، الشعب.. مثلث الخلاص، لقبام دولة، ونجاح حكومة، ورفاهية شعب.. يجب على السيد عادل عبد المهدي- رئيس الوزراء العراقي الحالي وليس السياسي السابق- أن يتسلح بإرادة الشعب، وأن يكاشف شعبه بإطلالة يومية؛ يوضح فيها معوقات تشكيل حكومته، والجهات الضاغطة لتحويل مسار تحقيق الإنجاز، كما يجب عليه أن يصم أذنيه عن كل صوت سياسي أو إعلامي نشاز، من شأنه أن يشغل حيزا من تفكيره، أو يأخذ شيئاً من وقته اللذان هما من حصة الشعب، وعليه أن يحارب سلطة الأحزاب قبل محاربة الإرهاب.
عملية سياسية عرجاء، منذ سقوط الدكتاتور الحازم، وحتى حكومة التوافق الجازم.. حكومة عرجاء، عاجزة عن السير في مسار سوي قويم؛ كونها لم تتخذ من الشعب ركيزة، وإعتادت المماطلة والمداهنة، والغموض، وإستعاضت عن الضوء بالظلام، وعن المواجهة بالكواليس، وعن الوطنية بالنفعية والتسلط والغرور، وإتخذت مساراً سياسياً ضيقاً زلقاً، ومنحدراً أخلاقياً جارفاً مهلكاً، أودى بالبلاد والعباد إلى أودية من الموت والخراب والظلام.
لقد آن الأوان ولا مفر.. لقد وصلت الأمور إلى نهاياتها، وبلغت النهايات إلى غاياتها، فلم يعد الشعب صبوراُ، ولا في الوقت متسع، ولا في المكان حيز، ولم يبق للأحزاب من طعم ولا لون ولا رائحة- إلا اللهم رائحة الفساد- ولم يبق في الفضاءات من أفق.
إنه أوان التغيير؛ شاءت الأحزاب أم أبت.. إنه أوان الخلاص؛ سواءً إجتهد عادل عبد المهدي أو تكاسل.. إنه أوان البناء؛ سواءً رضي الفاسدون أو كرهوا.. لذلك؛ يجب على السيد عادل عبد المهدي أن يتحلى بالوطنية، وأن يتسم بالمهنية، وأن لا يقيم للكيانات والكتل والأحزاب السياسية وزناً- إلا بالحق- وأن يتحرك بجميع الإتجاهات طالباً الدعم، متسلحاً بالحزم.
يا سيادة رئيس الوزراء، لو أنني كنت مكانكم- أعاذني الله شرها، ووقاني مكرها- لأتخذت من المرجعية مطرقاً، ومن الشعب سنداناً، ولضربت بيد من حديد، كل فاسد عنيد، مناع للخير غير رشيد، ولإستنعت عليهم بالله القوي الشديد، وإن ذهبت في سبيل ذلك شهيد.. ولكم الأمر أإقدام طلبتم، أم إحجام رغبتم.
https://telegram.me/buratha