نــزار العبـادي
من يمتلك صناعة الاعلام سيمتلك أيضا صناعة السياسة، فقدرة بناء الرأي العام ومهارات توجيهه تحدد قوة التأثير في تجاه القرار السياسي.. وهو مبدأ تعيه الساحة الشيعية لكنها لم تبذل جهداً للأخذ به عملياً، فأمست ضحية خصومها.
الشيعة اصحاب عطاء وفكر وتضحيات، لكنهم لايحسنون تقديم انفسهم وقضاياهم للعالم، لانهم لا يمتلكون فضائية بقوة "الشرقية"، ولا جيشاً ألكترونياً بقوة جيوش خصومهم في مواقع التواصل، ولا منبراً حشدوياً يليق بعظمة دور حشدهم الشعبي وتضحياته وانتصاراته، ولا إعلاماً سياسياً محترفاً يستقريء ويحلل ويستبق غيره لميدان المواجهة.. ومازالوا يفتقرون قدرة إطلاق حملات إعلامية أو تعبوية منظمة بقوة تأثير حملات خصومهم.. وهــذا أمـر في غايـة الخطــورة في زمن (الحـرب الناعمــة)..
في مقدمة أسباب ذلك، أن الشيعة لم يعملوا كـ"شيعة" بل كأحزاب سياسية تتباين في بعض رؤاها، وحتى عندما اتفقوا على الحشد الشعبي تعاطوا معه كفصائل وعصائب وسرايا وكتائب على قاعدة (كل حزب بما لديهم فرحون)، فتشتت خطابهم وتفتت جهودهم التعبوية في وقت اتسعت فيه جبهة خصومهم واشتدت مواجهتها لهم.
كما أن الشيعة غلبوا المحسوبية والولاءات الضيقة في بناء مؤسساتهم الاعلامية والثقافية، وتعاطوا معها كمغنم وظيفي دون حرص على استقطاب الكوادر المحترفة وأهل الخبرة المنافسة لخبرات ومهارات خصومهم التي عادة ما تصقلها وتطورها جهات خارجية.. لذلك فإن ماموجود لدى الشيعة ليس (اعــلام سياسي) بل (إعــلان) يستنسخ أساليب بعضه البعض بسذاجة كبيرة، ويعبث به المتطفلون، ويفتقد لروح المبادرة والابداع، وللدهاء أيضاً في إدارة اللعبة السياسية وصناعة الرأي العام.. ولاغرابة ان يوكل البعض ادارته لشخص لايعرف استخدام الفيسبوك في زمن ثورة تقنية المعلومات والحروب الالكترونية.
اليوم لدى الشيعة نحو (34) فضائية تقريبا تحت مظلة إتحاد الاذاعات الاسلامية، غير أن لكل منها هويتها الحزبية «المفضوحة» التي ينفر منها جمهور الحزب او الطائفة الأخرى.. فهي لم تستوعب بعد مدى حجم هويتها (الشيعية) أو (العراقية)، فحجمت كل المفاهيم، وانحسرت قاعدة مشاهديها، وغاب تأثيرها في ساحة الرأي العام.
واليوم أيضاً، يتحكم الخصوم بالفضاء الالكتروني للشيعة عبر جيوشهم الالكترونية فيؤثرون بآرائهم ومواقفهم، كما رأينا ذلك في حملات المقاطعة الانتخابية و(المجرب لا يجرب).. ولا غرابة أن يطلق الجيش الالكتروني السعودي هاشتاك (#العراقمعكيالاخضر) فيغتال الموقف العراقي ويظهره عاشقاً لقاتليه وألد أعدائه. ولاغرابة ايضا ان نكتشف ان معظم الصفحات الشيعية تدار من خارج العراق، ومن اراضي بلدان «سنية» وحتى من اسرائيل.
تلك هي (الحـرب الناعمـة)، تغيير مفاهيم وقناعات، وقلب حقائق، وتضليل بدهاء.. حرب تحول (السعودية) الرحم الذي ولدت منه العصابات الارهابية إلى أخ حميم، وتحول (إيران) التي نجدت العراقيين عسكرياً ولوجستياً ودعمت منع سقوط دولتهم إلى عــدو.. حرب تحول أبواق صناع داعش إلى وطنيين، والحشد الذي ضحى وحرر الوطن الى (عملاء لايران)!!
وعليـــه.. فإن الانتصــار العسكري الذي حققه الحشد الشعبي في المعركة سيبقى مهدداً مالم يعد العدة بنفس الروح الجهادية المؤمنة لمواجهة (الحرب الناعمة)، من خلال تبني إيجاد مؤسسة أو هيئة ثقافية تنضوي تحتها كل الكوادر ذات الخبرات الاحترافية والمهارات العالية، لتشكل (الحشد الثقافي) الذي تتعدد مسؤولياته بين رصد المتغيرات الثقافية في الساحة العراقية، وتحليلها علمياً، ووضع خطط المواجهة لها.. فضلاً عن توحيد الجهود الاعلامية والثقافية وتنسيق آليات عملها بالقدر الذي يمكنها من مواجهة الخصوم، وإطلاق الحملات التعبوية، وخوض حرب الاشاعة "الحرب النفسية" وفق أسس علمية مدروسة توازي خبرات الخصوم.
ولنضع في رؤوسنا أن المرحلة القادمة أصعب، وأن الحرب الناعمة هي الأشد فتكاً بالشعوب والبلدان من أي معركة سلاح، لأن الأعداء سيخوضونها بأحب الناس لأنفسنا وهم أبنائنــا وأخواننــا، وليس بجيوشهم أو مرتزقتهم..
https://telegram.me/buratha
