امل الياسري
سأل ملك وزيره:ما بال الخادم أسعد مني في حياته، وهو لا يملك شيئاً،وأنا الملك لدي كل شيء ومتكدر المزاج؟! فقال له الوزير:جرب معه فاعدة الـ( 99 )، ضع( 99 )ديناراً في كيس عند باب بيته في الليل، وأكتب عليه( 100 )دينار وأطرق الباب، وأنظر ماذا سيحدث؟ فعل الملك ما قاله الوزير، فأخذ الخادم الصرة، فلما عدّها قال: لابد أن الدينارقد وقع في الخارج، فخرج هو أهل بيته يبحثون عنه، وذهب الليل كله دون أن يجدوه.
غضب الأب كثيراً على عائلته، لأنهم لم يجدوا الدينار الناقص، بعد أن كان أيام هادئة دائماً، وفي صباح اليوم التالي، ذهب الى عمله في القصر، متكدر المزاج، بائس الوجه، ناقم على حاله لأنه لم ينم ليلته، بحثاً عن الدينار الضائع، فعلم الملك معنى قاعدة الـ(99 )، والحكمة هنا أننا ننسى الـ(99 ) نعمة، وهبنا إياها الباريء عز وجل، ونقضي حياتنا بالبحث عن نعمة مفقودة واحدة، لم يقدرها لنا ومنعها عنا، لحكمة لا يعلمها إلا هو.
عندما يحكي التأريخ لنا هذه القصص، فإنه يستشعر ما بعد الحكايات، فمعاناة الإنسان الكادح، كالخادم في القصة كبيرة جداً، لكنه سعيد جداً في الوقت نفسه، ولم يكن يحتاج لكيس من المال، مكتوب عليه(100) ديناراً، وفي داخله (99)ديناراً لكي يسعد عائلته به، فهناك الكثير من المنح والعطايا، كانت موجودة عند الخادم، ولم يأبه لزخرف القصر حيث يعمل فيه، آما وقد صار عنده بين ليلة وضحاها صرة من المال، فتلك هي المصيبة فلقد تغيرت حال الخادم كثيراً.
تكتب الأمم التأريخ لكي تنتصر للحقيقة، وبعض من الناس مايزال يود، لو أن يعود زمن الطاغية المقبور ليحكمنا من جديد، والسبب نعمة مفقودة واحدة أودت بحياة الأبرياء، في حين أننا لم نلتفت لمقدار العطايا، التي منحنا إياها الباريء عز وجل بعد سقوط الدكتاتور، والحق كل الحق لهؤلاء في أن يفكروا في زمنه، وحلمهم بالعودة فما ذهب منا ليس بالقليل، ولكن لننظر للنصف الآخر من القمر، الذي يكون قسم منه مظلماً معتماً، والآخر مضاءً منيراً فهيا بنا.
زمن الطاغية هادئ تماماً، لا جرائم ولا مخالفات إلا في السر، وجميع الناس بحالة نظام ولكن في ماذا؟ فبعضهم ينتظر بإنتظام دوره في الموت، لأن لم ينتمِ لحزب العفالقة، أو أن يصلي في الجامع، أو يقرأ القرآن، أو يذهب لزيارة الأربعين، وعليهم التصفيق من أجل أهدافه الخبيثة: (الوحدة والحرية والإشتراكية)،ويترجم شعاره القومي البائس: (أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة)، وجيش الفقراء المحاصرين يزداد يوماً بعد يوم، تحت طائلة بند سابع حقير، فما لكم كيف تحكمون؟!
إحتراماً لكم وحباً بأنفسنا من إخوتنا، أنبؤوني عن النعم الـ(99)،التي نالها شعبنا طيلة( 35 )سنة من حكم البعث الهدام، لقد عشنا أيامه كلها في دم، ودمع، وقمع، وخوف، لم نذق فيها طعم الكرامة، حيث إنتشر الكدر، والفقر، والفساد، والرشوة بكل مفاصل حياتنا، ثم نأتي لنقضي حياتنا القادمة، في البحث عن الدينار الناقص، ألا وأن الحكمة تقتضي، أن نقنتع بما نحن عليه ونطور أنفسنا، ونبتعد عن النزق والهوس بالسلطة، فالمال خادم جيد لكنه فاسد أليس كذلك؟!