طيب العراقي
مارس نظام صدام العنف كأداة لسياسة الدولة، فاستخدمها ضد جميع الأشخاص والطوائف التي كان يعتبر أنها تشكل تهديدا له، ففي سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، جرد ذلك النظام الفيليين من جنسيتهم، وصادر أراضيهم وممتلكاتهم، ورمى مئات اللآلاف منهم خارج الحدود، كما قام باعتقال وتعذيب و قتل آلاف آخرين، وكل هذا موثق بشكل جيد محليا ودوليا.
لقد تم اقتلاع الفيليين من بيوتهم وترحيلهم أو قتلهم؛ وهم الذين يعود تاريخ وجودهم في العراق إلى آلاف السنين، في محاولة من قبل النظام لتدميرهم ومحو وجودهم في هذه البلاد، مع أنهم من أقدم الشعوب التي قطنتها.
الفظائع وألوان المعاناة التي تعرض لها الفيليين، ومصير آلاف من أبنائهم الذين لا يزالون في عداد المفقودين، لا تزال راسخة في ذاكرة العالم الجماعية، ورغم هذه الفظائع، فإن سياسات القتل التي كان ينتهجها نظام صدام المجرم لم تُكلل بالنجاح، فالفيليون أبناء العراق لا يزالون هنا، ولا يزالون في مكانهم الصحيح؛ كجزء لا يتجزأ من شعب العراق.
لقد تم اتخاذ خطوات أولية من جانب الدولة العراقية وشركائها الدوليين، بما فيها الأمم المتحدة، في محاولة لإصلاح أخطاء الماضي، فقد صادق مجلس النواب العراقي في شهر أغسطس- آب من عام 2011، على قرار يعترف بالإبادة الجماعية التي ارتُكبت بحق الفيليين من قبل نظام صدام.
لقد قام الفيليين أنفسهم بأتخاذ خطوات مهمة، لكنها ليست كافية لأستعادة حقوقهم، وبناء مجتمعهم بعد سنوات طوال من الإهمال والتهميش، غير أن إزالة مظالم الماضي مهمة صعبة ومؤلمة أحيانا، لذلك فلا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به..
في ظل عدم فاعلية الخطوات التي اتخذتها الدولة العراقية لحل المشكلات الكبرى التي يواجهها الفيليين، يتعين على الفيليين العمل بنشاط وفاعلية مع الأمم المتحدة، لضمان ألا يطوي النسيان الجرائم التي ارتُكبت بحقهم، ولضمان إسماع صوتهم الذي طالما تم تهميشه في العراق بطريقة مناسبة، ويتعين أن تم أخذ الصوت الفيلي بعين الإعتبار، في مجال السياسات التنموية، والقوانين والمؤسسات المسؤولة عن حكم البلاد.
من بين المطالب التي يريد الفيليين من الأمم المتحدة تبنيها، ضمان معاقبة جميع الذين اشتركوا في جرائم الإبادة الجماعية ضد المواطنين الفيليين في العراق طبقا للقانون، وذلك لتوجيه رسالة مفادها بأن مثل تلك الجرائم، لن تُرتكب أبدا في العراق ضد أي من أبناء شعبه. كما يتعين على الأمم المتحدة، إلزام الحكومة العراقية بالإنضمام إلى معاهدة روما الخاصة بمحكمة الجنايات الدولية، وتنفيذ بنود القانون الدولي العرفي المتعلقة بمعاقبة جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وأي جرائم إبادة جماعية.
من خلال الأمم المتحدة يجب أن يدفع الفيليين أعضاء المجتمع الدولي لمواصلة دعمهم لهم، من أجل التغلب على تركة الماضي المؤلم ومواجهة ما تبقى أمامهم من تحديات.
إن صوت الفيليين يجب أن يعلو في الأمم المتحدة، للعمل من أجل ضمان احترام حقوقهم الأساسية، بما فيها حق الإعتراف بهم كمواطنين عراقيين يتمتعون بكامل حقوق المواطنة على قدم المساواة مع الجميع، وضمان حقهم في التعويض على ممتلكاتكم المصادرة، وعودتهم الى مواطنهم الأساسية، خصوصا مناطق شرق دجلة، التي هي أرض فيلية بلا منازع.
بهذه الطريقة فقط، يمكن تكريم ذكرى ضحايا نظام صدام بالشكل اللائق. ويمكن للفيليين أن يصبحوا مرة أخرى- كما كانوا من قبل- ذلك المجتمع الحيوي الذي يساهم أفراده بالكثير، من خلال مشاركتهم في الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية في العراق، كمواطنين يتمتعون بحقوقهم الكاملة أسوة بجميع العراقيين.
https://telegram.me/buratha
