كاظم الخطيب
الحسنى من الله سبحانه، جائزة العاملين، وعطية المنان للصادقين، والزيادة معدة للراغبين لقوله تعالى (ولدينا مزيد) والثواب دنيوي وأخروي، وقد يطلب تارة من الله- سبحانه- ومن العبد تارة أخرى.
لكل محسن ثواب حتى ولو لم يكن متفضلاً، فالإحسان إنما جزاءه جزاء مثله أو يزيد عليه، ومن اللؤم بمكان هو الإصرار على الإساءة للمحسن، حتى وإن كان زاهداَ بالثواب أو راغباً عن رد إحسانه إليه.
لابد من الإشارة إلى كل محسن في عمله، لتسليط الضوء على إنجازه؛ كي يكون قدوة لغيره، ومدعاة لفخره، وإنصافاً له في حقه، وتحفيزه لتقديم الأفضل والأكمل.
لقد أحسن عادل عبد المهدي، ولم يُحسن إليه، وفُوض ولم يرَ تفويضاً.. لقد وضعوه في واجهة سياسية متقدمة، وأجلسوه خلف كواليسهم.. لقد أطلقوا له العنان وأيمنوه الصولجان علناً، وكبلوا معصميه وكموا شفتيه سراً، لقد خولوه ببناء وطن، وسلبوه الأرض فلا وطأة لقدم.
زحام سياسي، وجدل كتلوي، وغنائم حزبية، وترهات إعلامية، وتصريحات نارية، وأخرى بربرية، وتهديدات برقت، ومحافظات أبقت، وقادة قلوبهم رقيقة، لكونهم في دولة عميقة، قد أمنوا من سطوة العقاب، وذللوا بالقدرة الرقاب، يكفيهم أن يومئوا الإشارة، فتسدل على الورى ستارة.. ليجلسوا على مائدتهم المستديرة، كي يرسموا لشعبهم مصيره.
من بين كل هذه العتمة، ودهاليز السياسة المظلمة، كان السيد عادل عبد المهدي، يطاول بقامته السياسية القصيرة- كونه لا يملك كتلة داعمة، ولا تياراً جارفاً- ليحقق ولو نزراً مما وعد به شعبه بتحقيقه في برنامجه الحكومي؛ الذي إلتزم بتنفيذه بمدد محددة، وأغلب الظن أنه- البرنامج الحكومي- كان تحدياً، لجميع الذين ما زالت بصمات مؤخراتهم، على أعواد العرش التنفيذي.
بادر بكشف أوراقه بسرعة فائقة، وبخطوات جريئة واثقة؛ حينها عزم الجميع على مزاحمة المكان عليه، ومصادرة الوقت من بين يديه.
خطوات عبد المهدي، والتي يجب أن تحسب له، جرت الوبال عليه، وأرسلت برسائل عدة، إلى جهات متعددة، توجس بعض منهم خيفة، وكره بعضهم الآخر الأمر، فقد باشر مهامه التنفيذية، وخطواته العملية، بإعادة الحق لأهله، وهذا ما لم يَرِدْ أو يتحقق في حكومات السابقين، لقد جاء الرجل شيئاً نكرا.
فقد كانت خطوته الأولى هي عندما تجرأ وزار مقر الحشد الشعبي، معترفاً بدوره الجهادي وموقعه الريادي، ووهبه ثقته بأن جعل رجاله ضمن قوة الشرف الرئاسي، ليشاركوا بإستقبال رئيس الوزراء الأسترالي، في مشهد بهي، يثلج الصدر، ويشيح خماراً عن وجه دولة.
أما خطوته الأخرى؛ فهي عندما أعاد لأبطال هذا الحشد إطلاق رواتبهم- التي تم إلغائها من قبل سلفه قبل إسبوعين من خروجه- كما قام بتحطيم سوراً من البغض والكراهية، طالما كان ماثلاً بين الشعب والحكومة منذ إدارة بريمر وحتى إدارة عبد المهدي؛ بمغادرة المنطقة- الصفراء- الخضراء، عندما نأى برئاسة الوزراء خارج أسوارها كخطوة أولى، ثم تلاها بفتح مداخلها أمام المواطنين.
كما إهتم السيد عادل عبد المهدي- وبسابقة تحسب له- بالسياقات العسكرية المعتمدة في جميع جيوش العالم، والتي غابت عن المشهد القيادي والعسكري في العراق، وقد تجلى ذلك واضحاً؛ من خلال مراسم الإستقبال والتكريم التي أقامها بصفته القائد العام للقوات المسلحة؛ أثناء تكريمة لثلة من القادة العسكريين من أبطال جهاز مكافحة الإرهاب، ووزارة الدفاع، من الذين تم إحالتهم على التقاعد، بعد أن خلدوا أسمائهم بتحقيق أكبر نصر عسكري في التأريخ المعاصر.
ميدانياً تمكن السيد رئيس الوزراء من التواصل المباشر مع المواطنين؛ من خلال الزيارات المفاجئة، وتلبية الدعوات الجماهيرية، للإطلاع على معاناتهم اليومية، ومشاكلهم الحياتية، وسماع شكاواهم ومعرفة طلباتهم، وإبداء الرغبة الجادة، لحل الممكن منها، وبأوقات محددة، كما حصل في علوة الرشيد، ومناطق بوب الشام، والحسينية- شمال بغداد.
خطوات تحسب حسنات، وحسنات لا يجب أن تعد فضلاً على الشعب، ولا تفضلاً على الوطن، حسنات لابد من أن تتوالى، وخطوات لابد من أن تتبعها خطوات، فليس في الوقت متسع.
ليس صحيحاً ما يشاع بأن عادل عبد المهدي لا يملك حزباً ولا كتلة، بل على العكس تماماً فإنه وبخطوات وطنية جريئة، وإجراءات إدارية دقيقة، وشفافية واضحة؛ يمكنه أن يتحصل على أقوى حزب، وأكبر كتلة، شرط نزاهته ووطنيته، وفوقهما جرأته وعزيمته، فالنزاهة والوطنية، كيان ضعيف هزيل- وإن كان رائداً- ما لم تتوفر لهما حالة من القوة الرادعة، والبطش الإستباقي، اللذان يعززان من فرض السلوك النزيه، والوطنية الرائدة.
خطىً واثقة على السيد عبد المهدي أن يخطوها، ليجعل من الشعب حزباً، ومن الفقراء كتلةً، وليولي كفه شطر فم جائع، وجسد عريان، وجيب عاطل، وليرفع كفه صافعاً كل من وقف أو يقف- من الفاسدين- حائلاً بينه وبين تحقيق ذلك.
https://telegram.me/buratha