المقالات

وللحرية باب اخر..!


جاسم الصافي

 

كل منا يبحث على طريقته لمفهوم الحرية، لأنها لا تتحقق بالتمني والاحلام والمثاليات، ولا بالتنظيرات الفراهيديه للمدينة الفاضلة او الجمهورية لأفلاطون، ولا بتعاريف معلبة ومسلفنا جاءت مع المحتل العسكري ثم المحتل الفكري والقيمي عبر حداثة وسائل التواصل.

 لهذا كلا منا اوجد له محددا لتلك الحرية، لدرجة انها تتراوح في نسبيتها ما بين نقيضين الدكتاتورية والعبودية وصولا الى التسيب والانفلات والانحلال الذي يعتبره البعض هذه الايام حرية شخصية، فهو يريد ان يقفز على كل تراكمات الماضي والحاضر ليصل الى مستقبل احتاجت فيه دول الغرب الى وقت لبناء تلك المفاهيم وفصلت على حسب تنوع مجتماعاتها وبشكل مختلف ومتعدد يتناسب والبيئة المجتمعية لتلك البلدان، لهذا نجد في دولة واحدة تعدد في قوانينها وشرائعها من ولاية لأخرى.

لست هنا ابين مفهوم الحرية بقدر ما الملم تجارب تولدت واسست عليها دول وانظمة، لهذا نقول ان الحرية مفهوم معنوي لكننا نجد ضلالها المادي على الواقع وبشكل عملي وهذا ما يجعل منها مفهوم فضفاض في خيال الانسان يتسع لكل شيء، متعددة ادواره على ارض الواقع.

السبب في هذا، ان الحرية كما هو حال الكائن الحي حيث يحتاج الى الرعاية والتدرج في اطعامه والحذر من معطياته ومخرجاته ليكون صحيحا، فهو سيكون جزء من الحاضر والمستقبل والتاريخ والمجتمع، بل جزء من الانسانية جمعاء، ومثله كمثل الشجاعة ان قل حدها صار جبن وان زاد اصبح تهور، هذا من جهة ومن جهة اخرى ان مفهوم الحرية مرتبط عضويا بمفاهيم اخرى مثل العدالة والدولة.

لتوضيح ذلك نربط المفهوم الاكبر للأنظمة السياسية الا وهو مفهوم الدولة، تلك القيمة الهلامية التي تمتزج معها مفهوم السلطة والحوكمة، والحقيقة اننا اذا اردنا افهام وتوعية المواطن بالدولة يجب ان نشعل في داخله فتيل المواطنة والوطنية، وهذا مرتبط بالعدالة الواقعية لا العدالة الطوباوية.

اقصد هنا عدالة التصحيح والتوزيع فكل مواطن لا يشعر بوطنيته وانتمائه من فراغ الشعارات والمثل ولا من دروس التاريخ، بل يجب ان يشعر احدنا بالانتماء الحقيقي عبر الامان في توفر السكن والامان في كسب المعيشة والامان في حفظ النفس والطمأنينة، اي ما تقدمه الدولة من واجبات لأثرها تترتب لها حقوق تتعاقد عليها مع الشعب وهو العقد المجتمعي.

 هنا فقط تفهم ما هية الدولة وهنا تفهم الوطنية بمعطياتها، على ان تكون عدالة التوزيع تتساوى واحتياج المواطن، هنا يكون الانتماء الحقيقي، يحق من بعدها للقائمين على تلك الدولة والسلطة المطالبة من مواطنيها بالوطنية والنضال من اجل البلاد والعباد.

يعتمد نجاح كل هذا بالشق الثاني للعدالة، وهو التصحيح، فانت في مجتمع وعالم منغمس في اشد التفاصيل لا تستطيع فيه التغير بسهولة للنظم القائمة، وخير مثال ان اغلب الدول التي شهدة تغيرا في انظمتها في العصر الحديث لم تستطع تغير اللوائح والقوانين رغم مضي عشرات السنين على تغير انظمتها، وما نسمعه من شعارات عن التغير هي اكاذيب لتخدير الجمهور، ولحصاد المكاسب للوصولين لمكارم السلطة حتى تشمل اصحاب النفوذ وزبانيتهم.

السبب هو ان التعقيد في بناء الدول الحديثة يحتاج الى زمن ليظهر جزء من التغير عبر جرعات وغصات، والعبث بهذا يولد الفوضة التي شهدتها بلدان حاول الاغبياء فيها انتزاع الروح من الدولة عبر اسقاط القيمة للقانون، ولهذا يقول شوبن هاور (ان النظام فوق العدالة) وهي مقولة شهدها الجميع على ارض الواقع، ومن ما تقدم نجد ان الحرية كائن ينمو مع التصحيح لا يمكن اطلاقه مرة واحدة فتنهار كل مؤسسات الدولة وتحترق روما باهلها، حتى يتمادى المواطن في حريته ليهدم بناء مدرسة كاملة لأجل بناء دار على انقاضها.

هذا ما حصل في العراق الذي حاول بكل طريقة ان يعيد توازنه بعد فك ارتباطه بأهم مؤسستين لبقاء هيبة الدولة الا وهي الدفاع والداخلية، من قبل القائد العسكري لدولة الشر بريمر، حتى بقي العراق يعاني الويلات تلو الويلات الى يومنا.

 نعم ان الحرية ترياق تختلف جرعته مع طبيعة المجتمع الذي ينمو به فلا يتساوى الجميع في تحمل جرعته حيث لا يمكن ان تعطي نفس المقدار من القماش للطويل والسمين والنحيف والقصير لفصال قميص مثلا، الحرية لها زمانها ومكانها فقد عطلت ابان التظاهرات في فرنسة وبريطانية كما جمدة القوانين لمجرد انقطع التيار الكهربائي في امريكا فعم ضواحيها النهب والسلب بل ان حكم الاعدام رجعت بعض الولايات لتنفيذه بعد تزايد الجريمة، في حين اننا مطالبون وسط هذا الخراب والفوضى والقتل والتهجير بأدق تفاصيل ومعاير الانسانية، مع ان هذه اللوائح لم تتحقق الا بعد سنين من العنف والبطش والعقوبات حتى نجت وجاءت بصورة تخدم المجتمع قبل الفرد وولدة لديهم روح الردع للفوضى والانضباط بالنظم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك