علي عبد سلمان
زرت بلدان عديدة؛ وأكثر ما يلفت نظري فيها هي النصب والتماثيل، فمنها أقرأ تاريخ وحضارة تلك الشعوب.
في موسكو رأيت نُصُبا لعلماء كبار أسهموا في المعرفة العلمية، لشعراء مثل بوشكين، لروائيين مثل تولستوي، لأخماتوفا وشعرها الساحر.
في بومباي يلاقيتك عند بوابة الهند الشهيرة نصب باني الهند الذي لا نعرفه نحن! مهاراشيتاري، هذا الرجل الذي كرس حياته لبناء مدينة عظيمة حاكى بها لندن في التفاصيل الدقية..
في كل مكان ثمة نُصًب لها معنى معرفي ، وقرونا هو عمر النصب والتماثيل في كل أرجاء المعمورة، إلا هنا تماثيلنا ونصًبنا الصدامية، سيوف وسيوف وخوذ ودبابات ، حتى شعارات الأحزاب والكتل السياسية قلما تخلو من سيف أو خنجر أو حصان مع خارطة العراق.
إنها ثقافة العنف والقسوة والقوة، ثقافة صهيل الخير ومجنزرات الدبابات..حتى الجوامع بنوا منائرها على شكل بندقية الكلاشنكوف كما في جامع أم القرى الذي هو الآن مقر للوقف السني!
لقد تعب شعبنا من ثقافة الأعلام والرايات والسيوف والبنادق والقبضات والخوذ الحديدية وكل الأفكار التي تستفز مكامن العنف والوطنية الزائفة، وأجدر بنا أن نختار أفكارا تبحث عن العراقة والجمال وتنشر قيم المعرفة، فهي الأبقى.
لقد أزيلت بعد سقوط الطاغية عشرات النصب التي لم تعد تتلائم مع نزوعنا نحو غد إنساني ، وبقيت فقط تلك النصب التي تلامس الوجدان، كنصب الحرية وحمامات فائق حسن والأم، وتماثيل كهرمانه وشهرزاد، والحبوبي،والرصافي والكاظمي والمتنبي وعنتر وغيرها من النصب التي لا تسعى إلا لقيم الجمال والعراقة والمعرفة والذكرى الطيبة.
أما النصب التي كانت غايتها تمجيد الطغاة والقتل والوطنية الزائفة فهي زالت وما بقي منه الى زوال، ويكفينا علم من قماش نرفعه في الأوقات التي يتعين رفعه بها إحتراما وإجلالاًله، بدلا من هذا الإسفاف الواسع برفع العلم بنسختيه الحالية والصدامية في كل مكان يجوز فيه أو لايجوز...
https://telegram.me/buratha