كاظم الخطيب
"والضد يظهر حسنه الضد"، عبارة قالها دوقلة المنبجي في يتيمته التي قتلته؛ وهو يصف حبيبته دعد، والتي سميت هذه القصيدة ب(الدعدية) نسبةً لها، وهو يصف تجاور بياض وجه حبيبته، وسواد شعرها، مؤكداً إن التضاد بينهما هو الكفيل بإظهار مديات الحسن ودرجات الجمال وسهولة التمييز بينها، من خلال ذلك التضاد.
البياض والسواد، الرحمة والظلم، الرأفة والقسوة، الشرف والخيانة، الوطنية والعمالة، الإستقلال والتبعية، القصاص والقتل، الحق والباطل، كل هذه المتضادات، وكل هذه الصفات كانت هي مفردات الحياة اليومية في عراق ما بعد صدام حسين- فتى (العوجة )- وحبيب كل أعوج مرتاب.
عام واحد، واحد فقط، كان فيه أمل، وكان فيه أمان، وكان فيه قيم، وكان فيه نوايا صادقة وضمانة حقيقية لبناء وطن.
2003، عامٌ تنفس فيه شعب العراق الصعداء، وتنسم فيه المظلوم- منهم- عبير الحرية والإنعتاق، عندما صدحت فيه حناجر الموتورين من الشيعة- عفواً وتسامحاً- ( إخوان سنة وشيعة، هذا الوطن ما نبيعه)، وكان في ذلك رسالة إطمئنان واضحة لإخوانهم في الوطن، بعد أن ظن بعضهم بأن الشيعة سوف يثأرون لأنفسهم منهم، بسبب إضطهاد حكومة صدام- السنية- لهم، ونتيجة لهذه الرسالة؛ فقد عاش العراقيون في حلم جميل، يحدوهم الأمل بوطن حر وشعب سعيد، حتى أفاقوا على تفجير النجف وتفجير الخضراء، اللذان أوديا بنواة وحدة العراق، وضمان إستقلاله.. ذانك التفجيران اللذان إستهدفا السيد محمد باقر الحكيم، والأستاذ عز الدين سليم، ومن هنا بدأت تتضح ملامح المؤامرة.
كانت رسالة الوحدة ووثيقة الأمان التي تبنتها القوى السياسية الشيعية آنذاك؛ هي اللبنة الأولى في بناء صرح الإنجاز الشيعي السياسي الوطني، والذي أثار حفيظة يهود بني صهيون، وبؤرة الإستكبار في العالم- أمريكا- لعلمهم المسبق، ودرايتهم الوافية، بتأريخ الشيعة المفعم بالسلام، والداعي الى التعايش السلمي ونبذ الفرقة والإنفتاح على الآخر، وبما أن ذلك سوف يؤدي إلى وحدة العراق وتطوره، وإستقلال قراره السياسي، وإستقرار وضعه الأمني؛ فإنه سيقف بالضد لما تطمح إليه أمريكا وإسرائيل في سياستهما للمنطقة.
عندها قامت أمريكا بالتثقيف لفتنة طائفية في العراق، من خلال تصريحات مسؤوليها، وإستغلال وسائل الإعلام العالمية والعربية والمحلية، للترويج لهذه الفتنة من خلال التلويح تارة، والتصريح تارة أخرى، وبدأت بزرع الفتنة فعلاً؛ من خلال بث العصابات من المرتزقة والمتطرفين، وأوكلت لأبواقها من الساسة العملاء، والإعلاميين الأُجراء- من أصحاب الأقلام القذرة- مهمة تهويل الأحداث وإظهارها بمظهر الإنقسام الطائفي والتخندق المذهبي، وقد توجت جهودها بخلق منظمة إرهابية عالمية من خلال حشد اللقطاء، من خلطاء النطف، ومجهولي الأنساب، من العجم والأعراب، تحت مسمى تنظيم داعش.
تمكن هذا التنظيم من إحتلال ثلث الأراضي العراقية- ذات الأغلبية السنية- وقد مارس كل معاني الرذيلة والإنحطاط، ووسائل القتل والدمار، وإستخدم كل وسائل الخسة والنذالة والظلم.. وهنا عاد الإنجاز الوطني الشيعي، ليقض مضاجع اليهود والأمريكان، لكنه لم يكن سياسياً هذه المرة، بل كان إنجازاً مرجعياً شعبياً، تبلور بحشد متراص لكل معاني الوطنية والشرف، ودلالات القيم البشرية، وممارسات الفطرة الإنسانية، حشد وطني خالص، قبالة حشد إرهابي هجين، وقد كان بالضد في كل شيء من صفات تنظيم داعش الإرهابي.
كان التضاد بين مزايا الحشد الشعبي الوطني، مقارنة بصفات حشد داعش الإرهابي، واضح جداً، والحكم بينهما لا يحتاج لخبير، لذلك حرصت أمريكا على تشويه سمعة الحشد بعد هزيمة صنيعتها- داعش- النكراء على أيدي أبطال ذلك الحشد، الذي طغت محاسنه على قباحة وسوداوية سيرة ذلك التنظيم اللقيط.
بعد سقوط دولة الخرافة، وإستعادة كامل التراب العراقي، عادت أمريكا لسيرتها الأولى من خلال تدوير نفايات داعش، وإعادة تصديره مرة أخرى للعراق، تحت مسمىً جديد وهو( حراس الدين) وإغراء السعودية ومصر، لتوجيه الدعم لهذا التنظيم، بهدف وأد الإنجاز الوطني، وخنق تطلعات الشيعة، وتبديد الحلم العراقي، في بناء وطن حر مستقل، وتفويت الفرصة على الشعب العراقي، بإلمحافظة على ضمانته الأمنية الحقيقية، لحفظ سلامة الوطن والمواطنين، من خلال وجود الحشد الشعبي .
الحفاظ على شيء، خير من خسارة كل شيء؛ فالحكومة الوطنية- وإن كانت ناقصة- والسلم المجتمعي- وإن شابه الحذر- وإستتباب الأمن- وإن كان خرق هنا أو هناك- كل ذلك يعد إنجازاً، قياساً بما كان عليه العراق في عام 2006، أو عام 2014، لذلك؛ لابد للشعب من التمسك بهذا الإنجاز الوطني والإنساني، الذي هو حري بكل شريف أن يعده الضمانة الحقيقة لوحدة العراق ورفاهية شعبه.
https://telegram.me/buratha