احمد كامل
لطالما ارتبط عيد الربيع بمحافظة الموصل حيث تشتهر الموصل بإسم أم الربيعين وذلك لطول فصل الربيع الذي تنعمُ فيه الموصل نسبة لباقي مدن العراق ، يحتفل أبناء الموصل سنويا بأعياد الربيع والذي يبتدا انطلاقا من 21 آذار حيث تخرج العوائل الموصلية للتنزه والمتعة وسط اجواءها الخلابة في تلك الأيام.
عانت الموصل خلال السنوات الأخيرة أوضاع صعبة للغاية فقدوا فيه آلاف الضحايا وعشرات الآلاف من النازحين بعد ما سقطت أراضيهم بايدي المتطرفين من المذهب الوهابي في العراق والشام والذين أطلقوا على أنفسهم إسم (داعش ) مختصر لعبارة الدولة الإسلامية في العراق والشام،حكمت داعش قبضتها على بعض المدن العراقية ومن ضمنها الموصل لبضع سنوات خلفت وراءها الدمار والخراب في شتى المناطق بعد أن تم تطهير الأراضي العراقية المحتلة بعد قرابة الثلاث سنوات من القتل والتهجير والنزوح والخراب في كل مكان بعد ما كانت الموصل زهرة يانعة يتغنى بها أهل العراق .
انتهت تلك الحقبة السوداء سجلها التاريخ بصفحات حزينة عاشها أبناء الموصل خاصة.
بعد عمليات التحرير بدأت الحياة تعود شيئا فشيئا وبدأ معها أبناء الموصل التحرر من ضغطهم والخروج من الكبت الذي عاشوه لسنوات ويمنحوا أطفالهم المرح والسرور بعد تلك المعاناة خصوصا وإن أهل الموصل يتمتعون بحبهم للتنزه والبحث عن المتعة في حياتهم والاستمتاع باجوائهم الربيعية واراضيهم الخضراء بعد موسم وفير من الأمطار.
اشرقت الشمس صباح 21 آذار الجاري لكن في شروقها ترقب وقلق وخوف وكأنها تخبر أبناءها في الموصل الحدباء اجلسوا اليوم ولاتخرجوا اطفالكم فإن خطر الموت يترقبكم ويريد أن يفتك بكم ولا تامنوا الحياة أبدا لأن الأقدار قد تصنع صنيعتها بلحظة لاتسرون بعدها أبداً.
لكن أهالي الموصل لايسمعون نداءات الشمس المتكررة وقرروا الذهاب والخروج للتنزه بصحبة عوائلهم وأطفالهم قاصدين المدينة السياحية في الغابات والتي تعتبر هي متنفسهم الأول بعد خراب غالبية المناطق السياحية، تربط تلك المدينة ضفتي نهر دجلة بعد سد الموصل وهناك توجد العبارات التي تعمل بعبور السائحين على ضفتي النهر وفي تلك اللحظات حدث مالم يكن بالحسبان وسط إهمال القائمين على المدينة السياحية ألا وهو اصعاد أكثر من 200 راكب على ظهر العبارة والتي هي مصممة ل 50 شخص فقط هذا ما أكده مختصون ،مئتا راكب غالبيتهم من النساء والأطفال وبعد تحركها بلحظات حدث شيء مريب أصوات الأسلاك الرابطة تتقطع وتفقد العبارة سيطرتها وتأتي بركابها يمينا وشمالا وبلحظات تنقلب العبارة رأسا على عقب وسط ذهول المتفرجين خارج النهر وصراخ وبكاء النساء والأطفال وهم يرون أنفسهم واحبابهم وسط المياه الجارية والقوية وعجزهم عن مجاراة ما حصل ،إنه الموت الأزرق يفتك بالأطفال والنساء والرجال خنقا بعمق المياه الباردة بلا رحمة وشفقة في حادثة اهتز لها العالم بأسره لمشهد مروع لا ينسى أبدا فخلال لحظات تزهق أرواح أكثر من 90 بريئا وفقدان أكثر من 100 شخص لازالوا وسط المياه ،صور ومشاهد مؤلمة انتشرت بين الناس والجميع مرتعد لهول مشهد أليم لا يمكن نسيانه وسيسجله التاريخ على مر الأزمنة إن الموصل قد عاشت يوما مرعبا وقاسيا في عيد ربيعها وهي ترى الموت الأزرق يحصد أرواح أبناءها بلا رحمة ورأفة.
زهقت عشرات الأرواح البريئة وتفاعل معها الجميع وصراخ تعالى هنا وهناك يطالب بمحاسبة المسؤولين ،
يكاد الوضع أن يتفجر لهول المصيبة فتصل إلى وضع خطير ، فقد أيقنت الحكومة والبرلمان أن الأوضاع تزداد تأزما فيجب هنا تقديم كبش فداء في سبيل السيطرة على الأزمة فسرعان ما يأتي ذلك الكبش الذي صار علكة بأفواه الإعلام بسبب سخريته وضعف شخصيته، إنه العاكوب الذي وضع قدمه على دكة الفداء دون دراية من ما صرح به أمام كاميرات الإعلام أهمها ابتسامته العريضة خلال تجوال رئيس الوزراء في موقع الحادثة .
بدأت الأمور تهدأ شيئا فشيئا ويبدو إنها كسابقاتها من مآسي حلت بشعب العراق (تعازي ومواساة ووقفات حداد والحك ربعك ) كما يقال .
إنتهى كل شيء وحل السكون الذي لا تسمع فيه سوى أنين الثكالى من الذين فقدوا احبائهم وصاروا ينظرون إلى دجلة بعيني الحنين إلى من فقدوه وغضب من نهر ابتلع الكثير من ذكرياتهم الجميلة إلى غير عودة .
https://telegram.me/buratha
