ميثم العطواني
قضية السم، واقعة جسدت ملحمة كبرى، دارت أحداثها في الطامورة الظلماء، بإمر حاكم هتك حرمات الله، متعطش للدماء، استهدف خيرة الخلق، كونه كان يشعر بإن حكمه باطل، والإمام موسى بن جعفر عليه السلام يمثل الحق، وبما ان الحقد من الصفات الموروثة عند هارون الرشيد، فهو لم يرق له ان يسمع الناس أن يتحدثوا عن أي شخصية تتمتع بمكانة عليا في مجتمعه، محاولاً تقريب الناس اليه واحتكارهم لشخصه، وهذا يدل على غاية الأنانية وقمة الحقد، ومنتهى الخسة في الشخصية المهزوزة، وما حقده الموروث على الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، إلا لكونه يمثل جده النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويحمل فكر آباءه الطاهرين، ولما يتحلى به من شخصية فذّة ذات فضائل في العدل والورع والزهد والكرم، وتناقلوا العامة بعض فضائله الجمة، وتحدّثوا عن علمه الغزير، ومزاياه الكثيرة، وحب الناس له، وقناعة الجمهور بإمامته، حتى ذهب الى فكرة الإمامة كبار المسؤولين في دولة هارون، مثل ابن الأشعث، وعلي بن يقطين، وأبو يوسف محمد بن الحسن، بالإضافة الى الكثير من القيادات آنذاك .
بل الأغرب من ذلك كله ان هارون نفسه يؤمن بإن الإمام الذي ينقله من سجن الى سجن، ومن زنزانة الى زنزانة، ومن طامورة الى اخرى، ويتفنن في طرق تعذيبه، هو أولى منه بقيادة الأمة الإسلامية، واعترف بذلك لابنه المأمون، إلا ان هارون لم يعتاد على ان يرى في المجتمع من هو أفضل منه، بل زد على ذلك انه يعتقد سجود الإمام وهو في الطامورة الظلماء مصدر يهدد عرشه بالزوال، وللرعب الكبير الذي كان يشعر به جراء جبروته وطغيانه وظلم الرعية، أخذ يعد العدة للتخلص من المعذب في قعر السجون، ولم يتوان اللعين في دس السم للإمام المظلوم، لترقى روحه الطاهرة الى عليين، لتحل الفاجعة الكبرى على محبي الإمام .
عندما نكتب عن هذه الرزية التي إهتزت لها اركان العرش، وبكت لها ملائكة السماء، وستبقى خالدة الذكر الى يوم يبعثون، علينا ان نذكر بإن إحياء هذه المناسبة الخالدة، يتوجب فيها على ملايين المعزين ان يلتزموا بما ضحى من اجله الإمام عليه السلام، وان يسيروا على نهجه، وهذا هو الفوز العظيم .
https://telegram.me/buratha