أ.محمد كاظم خضير
باحث ومحلل سياسي
في مساء يوم 9 أبريل 1980 كان مساء عادي ، ولكن منذ عام 1980 اكتسبت هذه المناسبة العالمية أهمية خاصة بلون الدم والثورة والغضب والصدمة والحزن الشديد عندما أعلنت سلطات البعث في اليوم يوم 9 أبريل 1980 بكل غرور وغطرسة وبرود عن ارتكابها جريمة دموية بشعة صادمة للعالم ، عن قيامها بإعدام العالم الديني والحر الشجاع الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر مع أخته : آمنة بنت الهدى بتهمة التخابر مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية حسب الروايات الرسمية الحكومية التي لا يمكن تصديق روايتها في ظل غياب الشفافية ومعايير العدالة والمصداقية في محاكم القضاء البعث المقبور التي هي أداة لمزاج السلطة الحاكمة. خلسة ...ودون أن يدري احد , تجاوز حواجز المنع والخوف ... عرف كيف ينفذ إلى قلوب الملايين من البسطاء ...راح يزلزل الأرض تحت أقدام نظام صدام . محمد باقر الصدر الذي أعاد ذات مساء للعراقيين وقارهم ....حدثهم عن نهاية زمن الخوف ....عن أجنحتهم التي آن لها أن تحلق وتبدد غمائم الوجل ...عن كفنه الذي سيرسم لهم طريق الخلاص ..
لم يكن السيد محمد باقر الصدر إلا علامة فارقة في تاريخ العراق الحديث.. انعطافة في طريق مرجعياته الدينية , لأنه وببساطة طرح نموذجا للمرجعية التي تعنى بشؤون المجتمع , والتي كسرت قشرة الأصول والفقه.. وانطلقت في فضاء الواقع الاجتماعي المعقد بهمومه واشكالياته , محاولة إيجاد الحلول , وتخليص الأمة من واقع سياسي اقل ما تقول عنه انه مذل ...
كان امتدادا للدور الذي اضطلع به السيد محمد باقر الصدر والذي يعد انقلابا على الدور الرتيب الذي كانت تؤديه الحوزات الدينية السابقة , المجتمع كان بأمس الحاجة إلى قيادة تستثمر مواطن القوة فيه , حيث القاعدة المطيعة التي كانت تعيش فراغ في ساحة القيادة وطالما بحثت عن الرمز الذي توليه زمام أمورها وتهب له ولائها ....
أول أهداف السيد محمد باقر الصدر
1 كان سحب الجماهير فاقدة القيادة إلى ساحته , 2دفعهم للالتفاف حول مرجعيته
, وبذلك يكون قد امتلك أهم الأسلحة التي تمكنه من تحقيق أهدافه في إضعاف نظام حزب البعث , وكان الرجل مدركا لصعوبة المهمة, حيث أن عملية كسب القاعدة الشعبية ليست بالهينة في الظروف العادية ..فما بالك في بلد كان يصادر فيه الرأي الأخر ..وكان نظامه يفرض طوقا من العزلة على مرجعياته الدينية ...
اعتمد السيد محمد باقر الصدر على مبدءا مخالفة المألوف لاستفزاز مواطن الوعي في ذهن القاعدة التي كان يقصدها , وكذلك لتحريك المناطق الراكدة في تفكيرها ....وباعتقادي فان الكثير من الفتاوى والأحكام التي كان يطلقها والتي تميزت بالغرابة والجرأة , لم تكن مقصودة لذاتها , بقدر ما كان يقصد منها دفع الناس للتساؤل عن المرجع المختلف الذي يمتلك كل تلك الشجاعة.أراد أن يكون محلا للتساؤل والبحث لتحفيز الجماهير على الاقتراب منه مثل فتوى تحريم الانتماء للحزب البعث.
لقد تجاوز الرجل جميع الخطوط الحمراء التي كان يضعها النظام.أصبح مصدر خطر يهدد وجود الدولة الظالمة .إذ ادخل جزء كبير ومهم من المجتمع العراقي في تنظيم ديني سياسي سري في شوارع العاصمة بغداد وفي اغلب محافظات العراق .احدث الرجل ثورة مختلفة أصابت النظام الدكتاتوري بالذهول والحيرة فراح كعادته يبحث عن الحل في التصفية الجسدية لرجل من النادر أن يجود به الزمن في مرحلة مظلمة رجل جسد الشجاعة في زمن الخوف .
أستشهد السيد محمد باقر الصدروهو حر لم يتنازل عن كرامته ومواقفه، رافضا للعنف، والإعتداء ،والقتل ؛ ليكون قدوة ،ومدرسة في النضال ، وأسوة حسنة خالدة، وشعلة تنير درب الحرية والثورة.
الخاتمة
الشهيد السيد محمد باقر الصدر عالم جليل، صاحب اخلاق عالية جدا تواضع جم ومحبة للجميع، عامل بما يؤمن به من تعاليم وقيم دينية، تحمل مسؤولية التمسك بالحق والعدل وضحى بنفسه لأجل الإصلاح، ويتميز بالشجاعة الفريدة والتضحيات الكبيرة، وعدم التعاطي حسب سياسة المصلحة السياسية على حساب القيم والمبادئ. فقد أسس منهجا جديدا يفضح من خلاله رجال الدين والوجهاء والشخصيات التي تعمل بحسب المصلحة السياسية بعيدا عن التضحية. فالشهيد السيد محمد باقر الصدر عالم على الطريق المستقيم لم يجامل على حساب الحقيقة والعدالة ونصرة المظلومين، عالم لم يضع للمصالح السياسية الضيقة والشخصية أي اعتبار، عالم فضح رجال الدين الذين يتعاملون باسم الدين ويرددون أقوال الثائر الخالد الإمام الحسين (ع) بأفواههم أمام الناس على المنابر ويبكون بدموع مزيفة، ولكنهم في لحظة النصرة والتضحية يصبحون أكثر جبنا وتهربا من أهل الكوفة الذين تخلوا عن مسلم ابن عقيل والإمام الحسين في ثورة عاشوراء، ثورة الكرامة والحرية والعدالة.
الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر - رضوان الله عليه - اختار أن يسير على منهج الإمام الحسين -عليه السلام- الحقيقي الواضح - طريق الحق والعدل والحرية والكرامة-، رغم انه مليء بالصعوبات والتحديات، طريق بحاجة للشجاعة والتضحية لتكريس القيم السامية، بعيدا عن المصالح السياسية الضيقة والشخصية والتبريرات.
وقد قدم السيد محمد باقر الصدر حياته وحياة من معه في درب الشهادة بشرف وعزة لإحياء مبادئ ثورة عاشوراء الحقيقية التي تعني للشهيد محمد باقر الصدرثورة دائمة والتأكيد على انها ثورة حية صالحة لكل العصور وفي كل مكان لمقاومة الإستبداد والفساد والطغيان، ولأجل إسقاط وفضح كل من يحاول جعل عاشوراء مجرد ذكرى فقط لحادثة تاريخية بلا قيم وتضحية، ويسعى لتغيير بوصلتها دون مواجهة الظلم والجور.
ومع ارتوى الأرض من دماء الشهيد محمد باقر الصدر تترسخت مبادئ المطالبة بالحقوق والتغيير في العراق.
https://telegram.me/buratha