سجاد العسكري
فتح الشهيد الصدر"قدس" عينيه على ظرف اجتماعي صعب و معقد, والذي تمثل في اليتم والفاقة ؛لكن التراث العلمي , والاسرة الكريمة والموقع الاجتماعي ,مع ماشهدته من ظاهرة للاسر العلمية من التخلي الكثير من ابنائها سلوك مسلك الاباء في طلب العلوم الحوزوية والتي تقلصت بشكل كبير , وهو ماجعل الصدر في حيرة من امره امام بابين: الاول ابواب الدراسة النظامية ,والتي تنتهي بالانسان الى الجامعة وافاقها . والثاني التوظيف والدخول في الاجهزة الحكومية !
فكان امامه اختيار طريقه في ظل هذه الظروف والملابسات ؛لكنه اختار طريق الاباء والاجداد الصالحين والانبياء والائمة الطاهرين عليهم السلام , وهو طريق طلب العلم وحمل الرسالة في وقت كان الجميع يرجح الخيارات الاخرى من اقرانه وارحامه باستشناء والدته, لذا كانت الداعمة والمشجعة له في سلوك هذا الاتجاه ,فبدت معاناته بسبب الظروف التي كان يعيشها طلبة العلوم الحوزوية والتي تكسي طالب الحوزة بالارادة القوية والشجاعة العالية في بناء الشخصية.
وفي ظل هذه الظروف كان لنبوغه الفكري والغزارة العلمية في الكثير من المجالات , ومنها النظرية السياسية التي كانت تشغل الكثير من الاوساط المؤمنة باليات العمل السياسي وخصوصا بصيغته الاسلامية , فلم تكن نظرية الحكم الاسلامي لدى الشهيد الصدر وخصوصا الادلة الدالة عليه واضحة فبداء بتكوين تصوراته السياسية فقد استنتج من اية الشورى (وامرهم شورى بينهم) والتي تدل على قاعدة الشورى في اقامة الحكم الاسلامي , وذلك لأهمية الحكم في اقامة الدولة وهي من الامور التي تهم المسلمين , والتي لايمكن تجاهلها وقد تؤدي الى تهديد اصل الدين من قبل المناوئين واعداء الخط الاسلامي , وهو مابينه الشهيد الصدر ولابد من الالتزام بحكم الاكثرية في اقامة الحكم والا تعطلت اية الشورى ومافائدة مدلولها العملي.
فأسس الصدر رضوان الله عليه اسس العمل السياسي وفق اسلوب يعطي للمسلمين القوة والقدرة على تحقيق الاهداف التي تديم الحكم الاسلامي , فطرح اسلوب التنظيم الحزبي باعتباره افضل طريق للافرد للتحرك السياسي , ومن خلاله يتمكن من تحقيق الاهداف والمقاصد المرغوب في تحقيقها او تثبيتها لدى المجتمع ,وايضا مواجهة الافكار الدخيلة التي تهدف الى تفكيك واضعاف الفكر العقائدي في المجتمع لدى الامة الاسلامية , والذي كان يروج من قبل الحكومات التي تتابعت على السلطة والتي همها فصل الدين عن السياسي بحجة الحفاظ على الدين من التلوث بالسياسة.
فاراد الشهيد ادارة الامور من قبل المختصيين في الامور السياسية ,والاجتماعية , والاقتصادية والعسكرية..., لكن تحت اشراف الفقهاء الذين يمارسون تخصصهم من اجل ضمان سلامة المسيرة الاسلامية , وبالتالي تحويل الواجهة القيادية في الامة الى العلماء , عن طريق تحويل التنظيم الحزبي الى حزب يقود تنظيم حركة الامة , والواجهة في القيادة المرجعية التي تعطي الفكر الاسلامي الاصيل للتحرك التنظيم الحزبي وفق هذا الفكر الذي يوظف طاقات اكبر لخدمة العمل الاسلامي.
لكن من الامور المهمة عند الشهيد الصدر "قدس" والتي يجب ذكرها هو انسحابه من تنظيم (حزب الدعوة) بعد ان كان يمارس فيه دور القيادة والاشراف العام , والسبب انه اخذ بالشك في صحة العمل الحزبي بمعناه الواسع ,اذ كيف يمكن ايجاد تنظيم يسعى الى حكم اسلامي دون ان تكون النظرية متكاملة عن الحكم الاسلامي وغير واضحة المعالم , اي كيف نحقق هدف دون ان يكون هذا الهدف مكتمل اصلا !فمن هنا جاء انسحاب الشهيد الصدر "قدس" .
وتبقى اطروحات الشهيد الصدر بحاجة الى التحليل والنقد البناء للوصول واستخلاص الافكار والنظريات في شتى المجالات وخصوصا الاقتصادية , اما منهجه وخطابه رضوان الله عليه لم يكن بعيدا او غريبا عن الواقع بل كان يتطابق مع الواقع والظروف السياسية لذا سفك دمه الشريف من اجل هذا المنهج.
https://telegram.me/buratha