كاظم الخطيب
الدكتاتورية وباء الحكام، وداء السلطة، كما الحرية هي جريمة الشريف، وسلاح المقاوم، ولا يمكن لهما أن يشغلا حيزاً واحداً في زمن واحد.
بعد تهاوي بقايا صرح الشاهنشاهية في إيران، وخلو المنطقة من عميل يمثل الذراع اليهودية، والسوط الأمريكي، والرماد الغربي.. ذلك العميل الذي يجسد الإرادة الأمريكية، ويلبي الطموح اليهودي، ويحسن صورة الغرب، في عيون السذج والبسطاء.
خسرت أمريكا حليفها القوي في إيران، ولم يك من أمل أمامها في إمكانية الإلتفاف على الثورة، أو إختراق صفوف الثائرين؛ لإفشالها أو تحييدها عن مسارها على أقل تقدير.
حينها لجأت إلى إستيراد الأداة الملائمة لتوجهها، والإرادة الطيعة لتنفيذ مخططها المشؤوم، لإجهاض الثورة، وإعادة الأمور إلى سابق عهدها، قبل قيام ثورة الإمام الخميني(رضي الله عنه) على نظام الشاه الديكتاتوري العميل؛ من خلال إيجاد بديل لهذا النظام، وقد كان البديل موجوداً، وكانت اللحظة حاسمة، وكان الأمر- مطلقاً- لا يحتمل التأجيل.
كان البديل هو نظام البعث، وأداته القذرة صدام حسين؛ الذي قام بتنحية أحمد حسن البكر- الرئيس العراقي آنذاك- وتولي مقاليد الحكم في العراق، والعمل على تهيئة الأرضية الملائمة لإعلان الحرب على الحكومة الديمقراطية الإسلامية، الوليدة في دولة الجوار إيران؛ من خلال مسرحية إستهداف طلبة الجامعة المستنصرية بتفجير مزعوم، والقيام بحملة واسعة لإعتقال طلبة العلم في بغداد والنجف، وغيرهما من باقي محافظات العراق بإعتبارهم عملاء.
تلقى صدام حسين ونظامه البعثي، دعماً عسكرياً وإعلاميا واسعاً، وتأييداً سياسياً مطلقاً، من أغلب دول المنطقة والعالم، بحيث أصبح يمتلك القوة الفاعلة في منطقة الخليج خصوصاً، والمنطقة العربية بشكل عام، لدرجة أنه لم يك أحد من شعبه ومواطنيه، أن يجرؤ على إعتراض حكومته، أو النيل منها بقول أو بفعل، وإلا؛ كان مصيره السجن أو الموت على أيدي جلاوزته ومريديه.
كانت هناك ثمة خشية تتولد لدى هذا الطاغية؛ من خلال جرأة أحدهم على الإستخفاف بقوته وجبروته، وتسفيه نظام حكمه، والإفتاء بتكفير الإنضمام إلى حزبه، والعمل على قيام الثورة ضده، من خلال توعية الشعب- وخصوصاً شريحة الشباب المثقف- بوحشية نظامه وديكتاتورية حكمه، وتسليحهم بسلاح الإيمان والعقيدة؛ ذاك السلاح الذي يعتبره الطغاة من أفتك الأسلحة التي من شأنها الإطاحة بعروشهم.
كان ذلك الثائر الذي زرع بذرة الخوف هذه، في قلب الجبروت الصدامي؛ هو المفكر الإسلامي والمرجع الديني السيد محمد باقر الصدر( قدس سره الشريف).. وبما أن حيز الوجود لا يمكنه أن يحتوي الحاكم الظالم والثائر المقاوم في آن ومكان معاً؛ فكان لابد من إزاحة أحدهم عن مسار الآخر.
قام صدام حسين بالتضييق على السيد الثائر، بشتى وسائل السلطان، من إقامة جبرية، وإعتقال- له ولطلبته- ومنعه من الصلاة في الصحن العلوي، والحيلولة بينه وبين إختلاطه بالناس ولقائه لهم، كما قام السيد الشهيد من جانبه أيضاً؛ بالتضييق على الأول من خلال التصعيد في الخطابات المناهضة، وإعلان الإستعداد للسير في طريق الشهادة، والعمل على تأسيس قيادة- علمائية- نائبة من شأنها قيادة الأمة- بعد إستشهاده- وتوجيهها نحو طريق الثورة والخلاص من الحكم البعثي المستبد.
إسقط بيد الطاغية الهدام، ولم يجد بداً من السير على نهج إسلافه من الطغاة، في العمل على إفراغ الساحة الجماهرية من شريحة العلماء والمتعلمين والمثقفين، وتوسيع دائرة الهمج الرعاع؛ الذين ظلوا يهتفون له، كلما أطل عليهم بشخصه البغيض( بالروح بالدم نفديك يا صدام).
أقدم صدام على إعتقال السيد الشهيد محمد باقر الصدر، في الخامس من نيسان لعام 1980، وقد مارس معه شتى وسائل التعذيب، وطلب منه أن يسحب فتواه بتحريم الإنظمام إلى صفوف البعث الكافر، فأطلق حينها صرخته الدوية؛ التي أصمت أسماع الطاغية" لو كان أصبعي هذا بعثياً لقطعته"، كما وجه خطابه إلى تلامذته قائلاً" ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام"، فكانت دعوة صريحة لمناهضة النظام والعمل على قيام الثورة ضده.
في التاسع من نيسان لعام 1980، أنتصر السيد محمد باقر الصدر، بإجبار عدوه على إعلانه شهيداً، من خلال إعدامه، وإعلان بداية العد التنازلي لزوال حكمه وإنهيار دولته، وزرع بذرة الخوف في نفسه، والتي لازمته حتى لحظة إخراجه من الجحر الوضيع الذي تنبأ به الثائر المنتصر، لهذ الظالم المندحر.
https://telegram.me/buratha