بقلم: نورية الإثنى عشر- باحثة من البحرين
تميز الإنسان منذ بدء خلقته على إمتداد التاريخ بتمايزه النوعي عن باقي المخلوقات التي تشاركه الكون و الوجود ...
فهو " الحيوان العاقل" الذي ينظم وجوده بمدى سعة إدراكاته و ماهياته الذاتية بواسطة الفكر و العقل ... و كما نظر الفلاسفة لهذا الإنسان بأن " الحيوانية جنسه و الناطقية فصله " إضافة إلى تغذية هذا الفكر بالصناعة العقلية المرنة ... و في القول بتتبع الإنسانيوية لهذا المخلوق الذي يرتكز إعتمادها على القيمة و الكفاءة سواء من حيث الأفراد أو الجماعة ...
* إن المتتبع لسيرة الشهيد الصدر يرى الحس الإنساني العقلائي الهادف القائم على تبيان إنسانية الإنسان بظل عقيدته الإسلامية الصحيحة و إرساء قواعدها لبناء أمة حقيقية بناءة ....
قادرة على بناء الإنسان الناهض قولاً و فعلاً فالسمة الغالبة على فكر الشهيد الصدر هي استخدام [ المنهج العقلي ] فادرك بالعقل طابع الفعلية و مردودها على هذا البناء فلم تكن الفعلية بروح الشهيد على المستوى الفردي فحسب بل جعل من شمولية الفعل امتداده للجماعات على مختلف الأمكنة و الأزمنة .... فالإنسان الذي يتخذ من موقعه الفعلي الإنتاجي المثمر يُعدُ صعوداً لبلوغ مراتب الإنسانية و هو لا يبلغها إلا بالفعل و تحمل أعباء المسئوولية تجاه ذاته كإنسان و تجاه الإنسانية الكامنة فيه بالقوة ...
فالشهيد الصدر عقل فكرة مبدأ الفاعلية المثمرة فلقد ربط علاقة الفكر بالوجود الإنساني المتحضر فكأنما تندرج من منطلق التكليف الذي أودعه الله في الإنسان و ميزه به فهو لم يكن فيلسوفاً مفكراً أو فاعل فحسب و إنما بهما معاً فحدد بذلك جغرافية موقعه التكليفي أولاً و من ثم الرسالي اتجاه هذه الأمة ... فقدم درساً دقيقاً جداً لقد شرح عملياً أن كلمة الحق في محضر الظالم درجات و أرفعها رتبة هي التحدي بالحق في محضر الظالم فلقد لفت نظر الناس أجمع لقيمة النهضة و عدم الرضا بالواقع الحياتي المعاش المخالف لقواعد الراحة الإنسانية فاستطاع بفكره الداعم لمقارعة الظلم و محاربته و لو ببذل النفس فلم يكتفي بالكلمة بل قارع الظلم
و ساهم في صنع القرار و تغييره فاستطاع بذلك تحشيد عقول نظيفة متعطشة للمطالبة بالحقوق و الدفاع عن مصيرها فهنالك إختلاف جذري بين أن تعيش الواقع كما هو و بين أن تساهم في صنعه " فالجماهير أقوى " أقوى بالوحدة أقوى برسم خططها بنفسها لا إعتماداً على مخططات دخيلة ... أقوى بتمكين نفسها و جعلها بدائرة صنع القرار ... أقوى بالنظر إلى العموميات و الإبتعاد عن الأنا المتضخمة بجعل سياق تحمل المسئووليات من باب منطلق إفادة الإنسان و الأمة و بذلك يكون الإنسان قادراً على بناء ذاته و بناء مجتمعه و مواجهة شتى العقبات و المزالق التي تغزو و تضعف من شخصيته و إنزالها منازل الضعفاء و هو المعول عليه بأنه المخلوق الوحيد الذي لا يقنع بما هو كائن بل يحاول دائماً تجاوز الواقع من أجل تحقيق واقع أجمل ...
إن الإنتقال بمستوى كمالية الإنسان بفكر الشهيد الصدر بأن ساهم برفض الواقع الظالم و المستبد بكامل حيثياته هو تخريج للقوة الكامنة في بواطن الأنفس التي تتطلع بخروجها من القوة للفعل ... و هذا ما أكد عليه الإسلام في الحفاظ على كرامة الإنسان كي يعيش عيشاً كريماً لا ذلة فيه ...
فكل ساحة خارجة عن العمل الفردي في قِبال الجمع هي روح تحمل روح المسجد فكما قال : " كل ساحة يعمل عليها الإنسان عملاً يتجاوز فيه ذاته و يقصد به ربه و الناس أجمعين فهي تحمل روح المسجد "
و بذلك يتلخص العنوان بما يحمل من بُعد إنساني بقصد عقلاني جمعي هو نفسه بناء روح الإسلام و حقيقته المحمدية .
https://telegram.me/buratha
