كاظم الخطيب
ليس من السهل الحكم على صدام حسين بالحمق بشكل مطلق، كما لا يمكن نعته بالذكاء بشكل مطلق أيضاَ.
إن الحنكة والدهاء اللذان أبداهما صدام حسين، في سلوكياته القيادية، وإدارته الصارمة لمفاصل دولته، ومرافق سلطته؛ إنما كانتا تنطويان على دهاء فطري، وحكمة مكتسبة نتيجة لتدريب قد تلقاه، وتجربة متراكمة؛ من خلال وجوده متفرداً على هرم السلطة لسنوات طويلة.
لم يك صدام هذا، جاهلاً بالتأريخ، ولم يك متجاهلاً لتجارب من سبقه من الحكام- أصحاب السلطة المغتصبة، والنفوذ المطلق- أولئك الذين إتخذوا من الطغيان سلوكاً، ومن السيف سوطاً؛ يلهبون بعارضيه ظهور البسطاء، ويحزون بنصله رقاب الشرفاء.
فرصة للإختيار قد منحها الله سبحانه لكل أمام وكل حاكم، لأن يختاروا بين أن يحكموا بالعدل؛ لقوله جل وعلا( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ..... وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) وبين أن يكونوا حكاماً ظالمين، لقوله تعالى( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفوراً).
صدام، كما غيره من الحكام، قد منحه الله فرصة الإختيار بين الشكر والكفر، ولو إنه قد سلك سبيل الشكر، وإتخذ من العدل منهاجا لحكمه؛ إذا لما أضطُرَ الى سفك الدماء الزاكيات، من المجاهدين والمجاهدات لظلمه وعتوه وجبروته، إلا إنه آثر السير على خطى أسلافه؛ ممن سلكوا طريق الكفر والطغيان، زاهدين كل الزهد بسبيل الشكر والإيمان.. وبما أن لكل ظالم حسيناً، فقد كان الصدر هو حسين الطاغية صدام، كما كانت العلوية الطاهرة آمنة الصدر( بنت الهدى) زينباً لعصره.
كان الشهيد محمد باقر الصدر شرارة ثورة في زمن قل فيه الثائرون، وقائد أمة في عهد عز فيه الناصرون، حسب رده البليغ( قدس سره) على رسالة الإمام الخميني( رضي الله عنه) التي كانت هي أيضاً غايةً في البلاغة.
رسالتين من رجلين عظيمين، ناقشا فيهما شأناً عظيماً، قد أختُزِلِتا بكلمتين.. كلمتين فقط، فكانتا كل رسالة منهما بكلمة.
- الإمام الخميني " متى؟"
- السيد الصدر " بمن؟"
نعم.. فقد أُعدم السيد الصدر الناصر والمعين، عندما أوغَل يزيد عصره- صدام- بظلمه وبطشه ونيله من أنصاره القلائل، فقد إعتُقِلَ ذلك النزر من الشباب العقائدي المؤمن، ونُكِلَ بهم أيما تنكيل، ولم يبق إلا قوم مستضعفون، قلوبهم معه وسيوفهم عليه، كما جده الحسين عليه السلام.
نفس أبية، تواقة للشهادة، مشتاقة إلى لقاء ربها، عازمة على مقارعة الظلم؛ وأخت عالمة مؤمنة صابرة، ناصرة له بكل وجودها، هو كل ما تبقى لدى السيد الشهيد؛ للوقوف بوجه أعتى طاغية عرفته البشرية.
قوة غاشمة، وحكومة ظالمة، وفكر بعثي خبيث، وشعب يعبد جلاده، يشهد بأن علياً ولي الله، ويقاتل دولة قامت بعلي، وجاهدت لعلي، وتهتف يا علي، تلك هي الجبهة المعادية لذلك الجبل الأشم، وتلك القامة الفاطمية الزينبية السامقة.
تجلى صدام حينها بحمقه وذكائه معاً، من خلال إقدامه على إعدام السيد محمد باقر الصدر، ليسكت صوته، إلا إنه لم يكتف بذلك؛ علماً منه بأن السيد الصدر، كان يملك بعداً ثورياً آخراً، وصوتاً جهادياً هادراً، إلا وهي الثائرة الناطقة بالحق العلوية الطاهرة، أخته وناصرته( بنت الهدى).
ليثبت صدام هويته، وليبين هذا المجرم تبعيته؛ أقدم على إعدام الشهيدة بنت الهدى، بجريرة زينب بنت علي، ثأراً منها لجده يزيد الذي أخطأ؛ عندما قتل الحسين بن علي ( عليه السلام) ولم يقتل معه صوته، أخته زينب، بطلة كربلاء، وخطيبة الكوفة والشام.
بقيت دولة علي، وبقي فكر الشهيد، وما زال صوت العقيلة وبنت الهدى، والذي زال هو صدام وحزبه، ذاك الذي ظن جهلاً؛ بأنه بقتله للصدر وأخته العلوية، سيوطد حكمه، ويثبت أركان دولته، لكنه لم يك يعلم إنه بذلك إنما كان يطوي صفحة حكمه الجائر، ويعلن نصراً آخراً للحسين.
https://telegram.me/buratha