عبد الكاظم حسن الجابري
تفتخر الأمم بعلمائها ومبدعيها في شتى المجالات والفنون, وتتخذ من سيرتهم دروس وعبر, وتستنهض من خلال تفاصيل حياتهم الهمم لدى النشء الجديد.
يمثل السيد الشهيد محمد باقر الصدر مرحلة مهمة وشاهد واضح على مسيرة تاريخية للعراق, شهدت فتراتها تبدلات وتغيرات كبيرة وواسعة وخطيرة.
السيد الصدر كان عالما دينيا بارعا, وسياسيا محنكا, ويعد في طليعة العلماء ورجال الدين القلائل الذين مارسوا العمل السياسي مباشرة.
ما يميز السيد الشهيد الصدر هو احترامه للعلماء المعاصرين له, وإجلاله لهم, وتشاوره معهم, وكان يصف نفسه بأنه خادم لهم, وكان يولي احتراما خاصا للسيد الخميني قدس سره, وكان من المؤمنين بولاية الفقيه الجامع للشرائط, حيث تحدّث الشهيد الصدر عن نظرية «ولاية الفقيه العامة»، وكتب يقول: «المجتهد المطلق إذا توفرت فيه سائر الشروط الشرعية في مرجع التقليد… جاز للمكلف أن يقلده، كما تقدم، وكانت له الولاية الشرعية العامة في شؤون المسلمين, شريطة أن يكون كفواً لذلك من الناحية الدينية والواقعية, وللمجتهد المطلق أيضاً ولاية القضاء، ويسمى على هذا الأساس بالحاكم الشرعي".
نتيجة لمواقفه الصلبة في القضايا السياسية العراقية, وموقفة الراسخ من البعث, وتعريته لهذه العصابة المجرمة, لاقى سماحته قدس سره العداء من تلك العصابة, فتمت محاصرته في اقامة جبرية ثم اعتقاله وبعدها إعدامه هو وأخته الشهيدة بنت الهدى.
استمرت ظلامة السيد الصدر بعد شهادته, اذ لاحق البعثيون كل من يحب السيد أو يؤمن بأفكاره أو يذكره في محفل من المحافل, وكذلك تم تجريم فكره وكتبه واصبحت عقوبة من يقتنى كتب السيد الصدر الإعدام.
لم تنتهي ظلامة الصدر على ايدي البعث إلا بانتهاء حكمهم وتغيير الوجه السياسي العراقي.
جاءت أحزاب إسلامية كثيرة الى العراق, كانت تشعل موقع المعارضة في ذاك الزمن, وبعضها كانت تنادي بثارات الصدر وبأفكاره.
إن المعروف عن الشهيد الصدر هو انسحابه التام من العمل التنظيمي في بداية الستينات من القرن الماضي, وإن أي حزب يدعى أن السيد اُستِشهِد وهو منتم له فهو كاذب ومفتر.
حكم المعارضون باسم الصدر, وقادوا البلد, لكنهم وللأسف أخذوا يستثمرون اسم الصدر وتاريخه في الكسب الحزبي, والترويج لمشاريعهم التي بدأت تبتعد شيئا فشيئا عن الخط الإسلامي, وأخذوا من يدعون انتماءهم لفكر الشهيد الصدر بالعيش في دنيا شبيهة بدنيا هارون العباسي, وسكنوا القصور, وأثروا ثراء فاحش, وتناسوا الفقراء, ودعموا الفاسدين, ونسوا القول المنسوب للسيد الشهيد "هل عرضت علينا دنيا هارون لنكون كالإمام الكاظم عليه السلام"
إن الظلامة التاريخية التي وقعت على الشهيد الصدر من قبل مدعي الانتماء اليه هي ظلامة عظمى, فهم لم يتمثلوا سيرته المعطاء في الزهد والتواضع والبساطة, ولم يعيشوا المواساة للفقراء, ولم يوقروا العلماء, ولم يتواضعوا بعضهم لبعض, بل صارت سمت التنافس اللاشرعي واللا شريف وسمة التسقيط متفشية بينهم, وقد صدق الشاعر حين قال:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على الفتى من وقع الحسام المهندِ
https://telegram.me/buratha