القضاء كلمة لها جناس مغرٍ؛ بحيث تُكتَب بصورة واحدة، لكنها تأتي بعناوين ومعانٍ كثيرة، ما دفعني أن أتخذ منها مادة لمقالي هذا.
فالقضاء مرة يأتي بعنوان سُلْطة الحكم بين الخصومات للفصل فيها طبقًا للقانون، ومرة بأداء ما فات من عمل، أو دَينٍ، أو فريضة، ويأتي كذلك من خلال القيام بعملية تدمير الشيء، وقطع دابره، وإجتثاثه من جذوره.. وأشده( القضاء المبرم).
حقيقة ثابتة، وقناعة تامة؛ بأنه ما من خارجة في العراق، ولا لهيب لنار، ولا عمود من دخان، ولا فتنة سياسية، ولا فساد يستشري، ولا خيانة لوطن، ولا نذالة لموقف، ولا إستباحة لشرف؛ إلا وكان البعث أداة فاعلة بها، ومطية تابعة لها.
لقد دأب ساستنا على التعامل مع رموز البعث ورجالاته، ومع الإرهاب وقياداته، كما فعل ذلك العبد الذي كان جائعاً وكان معه تمراً فأكل منه حتى شبع، ثم قام وبال على ما تبقى من ذلك التمر، وبعد فترة جاع هذا العبد ولم يك لديه سوى تلكم التميرات التي بال عليها، فعاد ليأكل منها، وهو يفرق بين تمرة وأخرى، ويخدع نفسه قائلاً( هاي نكسانه، وهاي مو نكسانه) حتى أتى على التمر كله.
إن تميرات البعث النجسة، ما زالت، تتمتع بذائقتها لدى بعض السياسيين من أصحاب الذوق العفن، والإسلوب النتن، بحيث تسابق رؤساء الأحزاب، وقادة الكتل، على محاكاة عملية إنتقاء العبد لحبات التمر التي بال عليها، ثم عاد ليأكلها لحاجته الماسة والضرورية لها كي تبقيه على قيد الحياة.
لقد أفلس الكثير- الكثير الكثير- من الأحزاب، وإسقط في أيديهم، بعد أن فقدوا ثقة جماهيرهم بهم، ولم تعد الوعود الكاذبة، ولا الأماني الضالة، تمتلك حظاً من الإقناع لدى تلكم الجماهير، حتى أضطر أغلبهم للعودة إلى تمرات البعث النجسة لسد الرمق، وضمان الديمومية والبقاء، وهي تردد-الأحزاب- كما العبد( هذا إيده ما ملطخة بدماء العراقيين، وهذا كان كعلي بن يقطين) حتى أصبح البعث يسري في دمائهم، وأصبحت رائحته العفنه، تنبعث مع كل تصريح منهم أو خطاب.
القضاء على حزب البعث، وتجريمه، وإجتثاثه؛ كان مطلباً جماهيرياً، وتشريعاً دستورياً، لكنه لم يك سلوكاً سياسياً أبداً، ولا أداءً حكومياً مطلقاً، برغم حكومات حزب الدعوة- العميل- المتعاقبة، ورغم تصدر الواجهة السياسية لقيادات الأحزاب التي تتشدق بمقارعتها لذلك البعث، وأنها قد قدمت قوافلاً من الشهداء، على أيدي جلاورة ذلك الرجس اللعين.
لقد تمكن البعث من إرادات تلكم الأحزاب، وأصبح ينخر بجميع مفاصلها، ويوجه قرارها السياسي كيفما شاء، وترك لرؤساء الأحزاب، وقادة الكتل، ورموز الملل، مهمة تبرير وجوده المقيت، وتلميع جبهته الحمراء؛ من خلال التفنن في الإعلان عن مشاريعهم الوطنية، بالعبور على الطائفية تارة، والعودة إلى الحضن العربي الدافئ- بالفخاخ والعبوات الناسفة- تارة أخرى، وغيرها من التبريرات التي تحاكي وتشابه تبريرات ذلك العبد الذي تناول التمر كله، مع يقينه المطلق بنجاسة كل حبة منه.
كذا مرة، وأيما موقف، كان فيهما الخطاب البعثي متصدراً- وبكل جرأة- لواجهة النفاق السياسي، وإعلام حكومة الظل الصدامية، ليثبت للجميع أنه ما زال على عهده، بمقارعة كل شريف، ومصادرة كل حق، والإلتفاف على كل جهد وطني، فكان لهذا الخطاب صوراً متعددة، بدأت بالشكوى من التهميش، وتلتها دعوى الخلاص من أزمة النزوح والتهجير، وأخيرها وليس بآخرها؛ دعوتهم الضالة، ومطالبتهم الرخيصة، وعلى رؤوس الأشهاد، بإستبدال قانون حل حزب البعث، بحل الحشد الشعبي، بدعوى إنتفاء الحاجة له، بعد أن إنتهت عمليات التحرير.
ذلك التحرير الذي تحقق من خلال تظافر جبهتان، كانت أولاهما جبهة الرجال الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم، ولبسوا قلوبهم فوق دروعهم، ليحرروا الأرض، وليستروا العرض.. وجبهة أخرى، كانت ساندة لها؛ من خلال حلقات الرجال والشباب في مخيمات النازحين، وهم يلعبون (الدومينو) ويتذمرون من سوء الخدمات، ومن تجاوز رجال الحشد على ممتلكاتهم وسرقة ثلاجاتهم.
إن كل إناء بالذي فيه ينضح؛ فقد نضح أناء الحشد، بسالة وشجاعة، ورجولة، وإيماناً، وأرواحاً طاهرة، ودماً زكياً، فيما نضح إناء البعث خسة، ونذالة وعمالة وخيانة، وكفراً.. كما نضح إناء ساستنا، ذلاً، وخنوعاً، وإستسلاماً، وإستكانة، وفساداً، وتضييعاً للحقوق، وسلوكاً فاضحاً من العقوق.
نافلة القول.. إن حتمية الوجود تقضي ببقاء الأصلح، والحشد أصلح وأبقى، كما تدبير الله سبحانه الذي يقضي بمكوث ما ينفع الناس في الأرض، وذهاب الزبد جفاء، والحشد أنفع وأقضى مكوثاً.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha