أحمد لعيبي عبدالحسين
في فترة من فترات حياتنا كان يجب علينا ان نجمع بين العمل والدراسة لأن بأحدهما يستمر الاخر مثلما تستمر الحياة اليوم بدماء الشهداء وكانت المهنة الوحيدة التي تنفع الطلبة هي مهنة (العمالة) ولكن ليس كل مسؤول عمل يسمح لطالب ان يعمل معه ليوم واحد او يومين وهو يملك كادرآ يعمل معه طول الاسبوع.
كانت المسألة تتطلب ان يتغيب احد العمال ليعمل أحدنا وكنا ندعو يومها بأن يتخلف احدهم عن العمل كي نعمل مكانه ولأننا في تلك الفترة كانت دعواتنا مستجابة وليس مثل اليوم لا تصعد الى السلم الذي كنا نحمل من خلاله الطابوق.
وشاء القدر ان نعمل مع السيد كاطع ذلك الرجل الذي كانت خارطة وجهه جنوبية بأمتياز وصفاته السومرية في التحضر الروحي والرقي النفسي والاخلاص في العمل رغم ان الرجل لم يكن يحمل شهادة جامعية ولم يحصل على دكتوراه في الفقه مثل أغلب سياسيينا ورغم اننا كنا طلبة وشباب لم يسخر ذلك الرجل منا مثل اغلب من عملنا معهم ولم يهن احد منا مثل تسلط البعض اليوم على وطننا وأذلوا الشعب وجرحوا مشاعره!
ولعلي اتذكره في يوم من الايام وهو يضع الشاهول في جيبه وكان البناء قد شيد سياجآ لاحد البيوت وكان السيد كاطع يدقق بعد ذلك البناء فظهر عنده في الشاهول أعوجاج بسيط في السياج لا يراه الا من كان ذا خبرة في العمل والبناء فقال السيد لذلك البناء لابد ان تهد الحائط وتبنيه من جديد فأنا أخشى أن يقع ..وهذا السياج خارجي قد يقع على اطفال او اناس تمر بالقرب منه اوعلى أهل البيت... وأيضآ لا اريد ان يقول عني أهل ذلك البيت ان السيد كاطع بنى سياجآ أعوجآ وهذا الشاهول الذي في جيبي لم أضعه للزينه بل للعمل !
وعندما تبسم البناء بوجه السيد ورفض ان يهد الحائط قام السيد بنفسه بتهديم الحائط وبنائه ونادى علي بصوت عالي ان ناولني الطابوق وبدء يضع الطابوق واحدة تلو الاخرى ويقيس بشاهوله مدى استقامة الحائط كلما علا عن الارض.
وبعد ان اكمل الحائط استخرج من كيس بقربه قطعة خبز وحبة من الطماطم تناولها بإرتياح بالغ ومسح العرق عن جبينه وقال لي وهو يبتسم (شوف أحمد أنت وربعك خلي طريقكم عدل والمهم ترة مو الصلاة بس ..المهم لا تضر الناس...)
وضع يده خلف ظهره وسار سيد كاطع بعيدآ وتركني أفكر بما قاله ولعله لو كان سياسيا لكان حالنا احسن بكثير ولكان اعطى لهم درسآ في الاخلاص والاخلاق واستخدام الشاهول المهني بدل المسبحة التي استخدمها أغلبهم للتورية والمهم ليس بما يملكون من ارث او يدعون من تدين لكن المهم بما يحملون من اخلاص ووفاء للوطن.
ورغم ان وصية السيد لازلت ترن بأذني ورغم ان ربعي الذين أشار لهم السيد بعدتهم المواقف والسنوات والاحداث وغيرتهم الحياة لكنها اثبتت صحتها في هذا الزمن وفي كل زمن.
ولعلي ادعو كل سياسي ان يكون مثل السيد كاطع ويبني أساسا صحيحا لعمله ولحزبه ولوزارته ولكل قانون يشرعه لا يلحق ضررا بالشعب ويدفع مفسدة عنه.
وانتم ايها الاحبة ممن عرف السيد كاطع او لم يعرفه ادعوكم ان ترفعوا اياديكم وتترحموا عليه بذكرى رحيله العاشرة حيث لاقى الله شهيدآ مظلومآ بأطلاقة امريكية وهو يحمل شاهوله في طلب الرزق متجردآ عن كل منصب او شهادة إلا شهادة واحدة هي شهادة الوفاة فلا غرابة ان تصادف ذكرى رحيله مع ذكرى رحيل إمامه المظلوم موسى بن جعفر عليه السلام ..والعاقبة للمتقين.
https://telegram.me/buratha