المقالات

بين ركامِ الطرقات.. نفوسٌ مبعثرةٌ

1560 2019-04-24

حلا الكناني

 

تقع أبصارنا في كل مكان نبرحه على واقعٍ بات مريراً، وطفولة ابتاعت نفسها للتشرد والضياع بإرادة مسلوبة، وراحت تتخذ من السعي وراء الأشخاص والمركبات لعبةً لها، لتُريح جثمانها المُنهك في أعقاب الليل على ضياع يسلبها أي معنى لكلمة إنسان، ثم تعاود كرتّها، وكأنها غدت آلات ممكننة يديرها وحوشٌ أباطرة.

أترى ما الذي أحال تلك الطفولة البريئة إلى رجولةٍ كهلة؟ وما الذي دعاها لتسلب نفسها دفء الأمومة وحنوها؟ أتراها تلك الأيام النحسات التي عصفن بها فوجدت نفسها يتيمة على أبواب الطُرقات؟ أم تراها وجدتها صغيرة لأنثى حيوان تداركها الجوع فاقتاتت على صغارها؟ أم إنها أبصرت النور فأسّرها، ولما ادركت زيفه آثرت العودة لظلمتها؟

كلنا يعرف ان الحياة جميلة بزهوتها، ولكن تلك الطفولة ما عرفت سوى أنها بداية لموتها، و ما نعرفه ان الحياة تتبعها ميتة واحدة، وهذه الأرواح تموت في يومها ألف مرة أو ما يزيد، وتعاني صرعة موت بطيء يشلّها من دواخلها، فميتة عقل، وميتة جوارح، وميتة جسد، وميتة مشاعر، وهل منّا من يُطيق أي من ذلك؟ فكلنا راح يتذمر ، ولا يُرضيه واقعه،وإن كان نعيماً مقيماً، وتلك الطفولة تقنع بشيءّ من سدر قليل قد لاتطاله أيديها.

كفانا رقصاً على جروحها، وسخريةً بواقعها، وإعراضاً عن أحقيتها، وما لنا والاستعلاء، والغرور، وكلينا مخلوقَين من نطفة من منيًّ يُمنى، وسنلاقي ذات المصير، ونعود إلى ما تحت الثرى، لتصير آخرتها جنة المأوى، ونصير إلى جهنم، وما أخفى.

ننامُ قريري العين، وقد نحت الجوع والحرمان تضاريساً على جبهتها، ونستريح على أريكة و التراب مفترشها، ونستنشق النسيم العليل،و هجير الحر يكويها، فأي مفهوم للعدالة مؤمنون به نحن؟

رضينا أن نكون قضاة لا محامين، ورضينا أن نكون دعاة لا متهمين، وكانت تلك الطفولة البئيسة المعدمة المتهم الوحيد الذي لانخشى سطوته، ولا نهاب حيفه، ولكن شئنا أم أبينا فتلك الطفولة ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وبها تُرتسم حروف معنانا، وبها تُخطُّ صفحاتنا، فإن أردنا أن ننهض فبها، وإن أردنا أن نعلو و نسابق الأزمان، فلنلمّ شتات تلك الورود المتناثرة في الشوارع والأزقّة، باحثة عمّا يُبقيها على قيد حياة فارقتها الحياة، ولنزرع في أعماقها الأمل الذي ما عرفت إلا ضده، ولنُغذي عقولها ونسقيها بأكسير العلم والمعرفة، لنشمّ رحيقها، ولننعم باكتمال أنسانيتنا التي لا تكتمل الابها، ولنذقها الشهد بعد طول العلقم، فهنيئا لكل من أحيا نفساً بعد تهالكها، وسخطاً لكل من قتل نفساً لأنه قتل الناس جميعها.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك