علي فضل الله الزبيدي
الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، تزداد تصعيدا" يوما" بعد يوم، فالهول الإعلامي وإستخدام التغريدات الملغمة العابرة للقارات، والتي يتبناها قادة البلدين وقياداتهم، عبر القنوات الفضائية ومواقع التواصل الإجتماعي، تضفي مزيدا" من الإحتقان السياسي والتشنج، ليس على مستوى البلدين المتنافسين على مستوى النفوذ والهيمنة في منطقة الشرق الأوسط، بل العالم برمته متأثر من التشنج والمناوشات الأعلامية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لما تشكل منطقة الشرق الأوسط وهي مركز الصراع من أهمية كبيرة للعالم من الناحية الجيو إقتصادي فقرابة 30% من مجموع النفط العالمي، بالإضافة للغاز وموارد طبيعية أخرى ، وسوق إستهلاكية كبيرة للسلاح والسيارات وكثيرمن المنتجات الصناعية ، وتأثير المنطقة الجيو إستراتيجي والجيو سياسي، هي أسباب كافية لزيادة تهديد الأمن والسلم المجتمعي الدولي، فهل سيرقى هذا التهديد لمستوى المواجهة العسكرية؟.
لدينا حقائق كثيرة يجب أن تؤخذ بنظر الإعتبار، والتي بدورها تسهم في رسم مستوى الصراع وأدواته، وتسليط الضوء عليها قد يعطي للمراقب رؤية واقعية لما تؤول إليه الأحداث مستقبلا"، وهل ستكون تلك الأحداث سببا" كافيا" لحصول مواجهة عسكرية؟، على الأقل للمستوى القريب، وأهم الحقائق وتأثيرها التي تخص طرفي النزاع، وهنا لا بد من تفصيل، منها ما يختص بالجانب الإيراني:
1- إيران منذ مباغتة صدام وإعلانه الحرب عليها بدعم دولي، رسمت سياستها الدفاعية لمحاربة أعدائها خارج الجغرافية الإيرانية، نجد ذلك في دعم ثورة الحجارة الفلسطينية وبعض الفصائل المسلحة كحماس، والحال ينسحب على حزب الله اللبناني وفصائل المقاومة الإسلامية في العراق واليمن ودعم الحركات التحررية في الخليج وأسيا وأفريقيا وحتى أمريكا اللاتينية، وحتى الدستور الأيراني يؤكد دعم الحركات التحررية في كل دول العالم وضمن نطاق حدود القانون الدولي بالحسابات الإيرانية، فأصبحت تلك الفصائل والحركات أذرع إيرانية، تمتلك ترسانات من الأسلحة لها قدرة المواجهة لدول وتحالفات، تستطيع أن تحركها إيران بإتجاه أية دولة أو منظمة تهدد الأمن والمصالح الإيرانية، وهذا التوجه الإسترتيجي،حقق غرضين إشغال العدو الصهويني وإستنزافه وعدم التمدد خارج الجغرافية الفلسطينية وأخر صفقة القرن كثيرا"، وثانيهما.. صناعة عمق أسترتيجي لإيران خارج الجغرافية الإيرانية.
2- إمتلاك إيران لترسانة أسلحة كبيرة ومتطورة جدا"، كالصواريخ الباليستية وبكميات ضخمة جدا" والطائرات المسيرة، والفيديو المسرب من قبل إيران وقيام طائرة إيرانية مسيرة وهي تصور تحرك حاملة الطائرات الأمريكية (أيزنهاور) دون أن تتمكن الرادارات من رصدها والقطع والزوارق البحرية ذات التقنيات المتقدمة، ودفاعات جوية S300 وs400 الروسية الصنع، وما تخفيه من أسلحة حديثة جراء التعاون مع الصين وكوريا الشمالية وروسيا وبعض دول أمريكا اللاتينية ، مما يجعلها تمتلك المناورة والمباغتة والمفاجئة لمهاجمة أكبر تهديد يعترضها، وما يزيد قوتها جهدها الأستخباري العالي، يعطي للقادة الإيرانيين تصور كبير عن التهديات الخارجية، وصعوبة إختراق الأجهزة الأمنية الإيرانية ومصانعها ومفاعلاتها النووية، تصعب على الولايات المتحدة الأمريكية خلق تصور حقيقي عن ماهية القوة الأيرانية.
ورغم كل ذلك فالحكومة الإيرانية تدرك القوة الأمريكية المتعاظمة، والتي ليست لديها أي كوابح من إستخدام أسلحتها المدمرة والفتاكة، بإتجاه أي كيان أو دولة تهدد مصالحها، وهذا ما يجعل الحكومة الإيرانية متأنية ولا تنجر للتهديدات الأمريكية، وتعمل بسياسة النفس الطويل، كما وإن الحكومة الإيرانية تدرك ويلات الحرب مع أمريكا وحلفائها في المنطقة، وما ستخلفه من خسائر بشرية ومادية فادحة وتحطيم للبنى التحتية الإيرانية، لكن تبقى محتفظة بحق الرد القوي والمفاجئ، كما أشرت في سالف كلامي، عليه فأيران أخر الحلول التي تفكر بها هو الحل العسكري.
أما ما يخص الجانب الأمريكي:
1- حجم المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط قد يكون الأكبر والأضخم في كل بقاع الأرض، فإسرائيل وأمنها الأسترتيجي المرتبط بالأمن القومي الأمريكي، وحجم الأستثمارات الأمريكية في المنطقة وخصوصا" في القطاع النفطي، وعدد القواعد العسكرية الأمريكية المتزايد مع عديد السفارات الأمريكية وقنصلياتها، تجعل أمريكا متأنية وغير متهورة بالذهاب للحل الأخير وهو أستخدام القوة العسكرية بإتجاه إيران، وبالمقارنة فإن مساحة الأهداف الأمريكية أوسع ومعروفة ويمكن أن تكون تحت مرمى وأستمكان الأسلحة الإيرانية المتطورة والدقيقة، وهذا من أهم الأسباب التي تجبر أمريكا بالتأني، فحساب الخسارة جراء التدخل العسكري الأمريكي من المرجح يكون أكبر، بسبب مستوى تضرر المصالح الإمريكية في منطقة الشرق الأوسط على الأقل، وتأليب الرأي العام الأمريكي وما له من تداعيات على سباق الأنتخابات في حال دخول الولايات المتحدة بحرب مع إيران وأذرعها الواسعة والمتنوعة.
في المقابل الولايات المتحدة الأمريكية ألان تعمل وفق رؤية أستراتيجية غير مباشرة بأستخدام الجانب الدبلوماسي لصنع رأي عام دولي ضاغط على إيران، لإعادتها للجلوس للمفاوضات النووية، وما يدعم جهد أمريكا بهذا الخصوص هو الحصار الأقتصادي الخانق الذي تمارسه بأتجاه إيران، والذي يراد منه نقل المعركة إلى الداخل الإيرني، والولايات المتحدة تريد خلخلة الثقة بين الحكومة والشعب الإيراني، وإستنزاف القوة المعنوية للشعب الإيراني ثم ضرب الحس العقائدي الإيراني والذي قد يكون من أهم الأسلحة الإيرانية التي تواجه العقوبات الأمريكية ولكن على المستوى البعيد.
هنا أذا ما قارنا بين التوجهات الخارجية للإدارة الأمريكية، فأدارة (بوش الأبن) وأداوت اللعبة وقتها.. وكيف إنه قرب الثلاثي المتطرف نائب الرئيس (ديك تشيني) ومستشارة الأمن القومي (كوندليزا رايس) ووزير الدفاع (رامسفيلد) نعرف إنه كان يفكر بالحلول العسكرية وليست الدبلوماسية ودليل ذلك تحجيمه لدور وزير خارجيته ( كولن باول)، وهنا نرى الفرق الكبير في سياسة (دونالد ترامب) الذي يعول على وزير خارجيته (بومبيو) في تطبيق سياساته الخارجية وإنه ميال للجهد الدبلوماسي عبر إستخدام الإقتصاد كسلاح للردع الأمريكي.. كما إن الملاحظ في سياسات ترامب إن لديه تقاطعات مع الأجهزة الأستخبارية والعسكرية، وإستقالة وزير الدفاع الأمريكي أثر إعلان (ترامب) الإنسحاب من سورية تظهر حجم البون الكبير بين ترامب وإجهزته الأمنية.. وهذا يقوي إحتمالية أبتعاده عن الحلول العسكرية،
2- من هنا نقرأ زيارة بومبيو السرية للعراق، على إنها تحمل دلالات دبلوماسية أكثر ما هي أستعدادات عسكرية، لما ل(بومبيو) من رمزية دبلوماسية أكثر ما هي عسكرية، مع إن التلويح باستخدام القوة يبقى حاضر لدى المؤسسات والأعلام الأمريكي الموجه، وهو أفضل من أستخدامها بالحسابات الأمريكية، كوسيلة للحرب الباردة الإستنزافية، ويبدو أن بوبمبيو طلب من الحكومة العراقية التدخل لإيصال رسالة تحمل دلالتين؛ الأولى أن أمريكا أستثنت العراق من العقوبات الأمريكية الموجهة لإيران، بالمقابل على إيران لا تستهدف المصالح الأمريكية في العراق، ويجب أن يكون العراق هو الضامن لهذا المطلب، والدلالة الثانية إن أمريكا مستعدة للعودة للمفاوضات، ولكن دون أن تضع إيران شروط مسبقة لذلك.
رغم إني أستبعد الحل العسكري على المستوى القريب، وكما وضحت ذلك في معرض بحثي، إلا إنني أتصور بأن الحكومة الإيرانية لن تصبر طويلا"، فالدول الأوربية يبدو أن عدم إنسحابها من الأتفاق النووي تكتيكي وليس أستراتيجي فلم يحقق للإيرانين مصالحهم المنشودة من هذا الأتفاق، ونرى إيران بدأت تستشعر ذلك من عدم جدية الدول الأوربية، وقد أمهلت الأتحاد الأوربي 60 يوم، من أجل أستثناء قطاعي النفط والمصارف من العقوبات، حيث إن إيران ترفض ان يأخذ الحصار المزدوج الأمريكي-الأوربي مسراه، بإيقاع المؤسسات الإيرانية ضمن تأثير الموت السريري، وعليه فاذا ما كانت هنالك حرب، فإيران رغم نفسها الطويل أعتقد سوف تبادر بإستهداف المصالح الأمريكية-الأوربية، وسوف تكون لأذرعها المبادأة، وأكيد من خارج الجغرافية الإيرانية، وعبر الإستهداف النوعي التكتيكي الغير مباشر.
https://telegram.me/buratha