المقالات

المدرسة السياسية للسيد عبد العزيز الحكيم  

1830 2019-05-10

علي عبد سلمان

 

من رحم وضع سياسي وديني واجتماعي معقد ومتشابك, برزت من معاناته شخصية فذة, ذخرها الباري للعراق في وقت محنته وبلائه وورود المصائب عليه. وضع مأساوي ألم بالعراق, كان يحتاج لقائد يجتمع عنده المتناقضين , كان يحتاج لقائد شديد قاسي على اعداء العراق, رحيم رؤوف واسع القلب مع اخوته من العراقين جميعا (سنة وشيعة وكرد, بل وحتى المنافسين له والمعادين له من الأحزاب والتيارات السياسية).

   ظرف كان يحتاج وبشدة لخيمة (سياسية), تجمع شتات التناحر السياسي والعسكري والاستخباري, شخص يستطيع ممارسة العمل السياسي المتأدب بأدب الدين, بما ينقل تصورا إنسانياًّ نظيفا ومشرقا, لدور رجل الدين في ممارسة العمل السياسي؛ فكان السيد عبد العزيز الحكيم رحمه الخالق, تلك الشخصية التي أشرقت وسط ظلام الفتن, والاقتتال الطائفي والخراب السياسي وتكالب الأعداء.

   يرى الكثير من الباحثين المختصين بدراسة شخصية الفرد العراقي, أن نزعة التسلط الانتقامية التي تميزت بها الشخصية العراقية بشكل عام, ناتجة عن عوامل قهر وحرمان وتسلط سلبي مضاد, يتم التعامل من خلالها مع شخصية الفرد العراقي, من خلال توجيه الكثير من هذه العوامل عليه, مما يؤدي في النتيجة حين ظهور أية بادرة تمكن سلطوي لدى هذه الشخصية, إلى ممارسة الكثير من أنماط التسلط الانتقامي (راجع : شخصية الفرد العراقي- لباقر ياسين؛ و دراسة في طبيعة المجتمع العراقي- علي الوردي).

   في حالة عزيز العراق, كانت النتيجة مخالفة لكل نتائج هذه الدراسات, فإعدام أكثر من 80 شخصا من أفراد أسرة آل الحكيم من أخوته العلماء المجتهدين, ومن أقاربه وأبناء عمومته, مع سجن المئات منهم لسنين طويلة تحت وطئة التعذيب, وملاحقتهم تحت كل حجر ومدر, ومحاربة أجهزة البعث الصدامي (والتي كانت تمثل نسبة عددية كبيرة من أبناء الشعب العراقي) له ولأفراد عائلته, واضطراره لترك بلده وعيش معاناة الاغتراب وقسوة الحرب المسلطة ضده, إضافة لاستشهاد أخيه شهيد المحراب, كل تلك العوامل كان من المفترض أن تخلق منه شخصية سوداوية انتقامية, تحمل هاجس حب الإنتقام وإعادة الاعتبار لذاتها, خاصة عندما عاد للعراق وتسنم زعامة أكبر تيار سياسي يملك الكثير من المال والسلاح والرجال.

   إلا أن ما حصل هو العكس تماما, إذ رمى رحمه الله كل تلك السلبيات, وكل ذلك التأريخ الظالم, وراء ظهره, وشمر عن ساعد الجد والعزيمة, وأظهر مكنون غيرته الوطنية وحبه لأبناء شعبه, ونزَعَ رداء سلاح الحرب الدفاعية المقدسة التي مارسها ضد الطاغية, ولبس أرقى أنواع الدبلوماسية والحنكة والحكمة السياسية, فقارع عمالقة السياسة في العالم, وتصدى لأكبر المخططات التي كانت تسعى لتمييع حقوق الأغلبية الشيعية, ووقف بوجه تسلط المحتل في العراق, وإستحصل الحقوق السياسية لهذا البلد وأبناء هذا البلد, وأجبر عتاة السياسة الأمريكية إلى الرضوخ للكثير من المطالب الشيعية بشكل خاص, والعراقية الوحدوية بشكل عام, كل ذلك دون أن يدعو لحمل السلاح, ولا إراقة الدماء.

   أقولها ومن خلال فهم لواقع العراق المؤلم, أن السيد عبد العزيز الحكيم, كان فعلا هبة إلهية لهذا الشعب وللعملية السياسية, في أحلك ظروف السياسة التي مر بها البلد, فقد وازن ما بين شيعيته وعراقيته, وما بين خوضه للسياسة ضد أقران قذرين, وما بين أخلاق إنسانية ودينية, تزينت بطاعته المطلقة للمرجعية الدينية, والإستظلال بظلها الأبوي العراقي الوارف, كل تلك الصفات وغيرها الكثير, أثبتت للواقع المنصف, بأن هذا الرجل كان نمطا خاصا ونوعا مميزا من نوادر الرجال, الذين تذخرهم إرادة السماء لأزمات خاصة, لا يمكن لأي أحد الخوض في غمارها ..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك