الوجود نعمة إلهية، والمحافظة على ذلك الوجود هي فطرة أودعها الله سبحانه، لدى سائر مخلوقاته، وكفل لكل من هذه المخلوقات حق الدفاع عن وجودها، وإن إستوجب ذلك الدفاع، صراعاً مصيرياً حتى وإن أفضى إلى الموت والهلاك- أحياناً- من أجل المحافظة على هذا الوجود وإستمراره وديموميته. عرفت البشرية أنواعاً وألواناً مختلفة من الصراعات الفكرية والسياسية والعسكرية وغيرها، وكانت أغلب تلكم الصراعات تتسم بوجود ظالم ومظلوم، وحق وباطل، وجاهل وحكيم، وبلية ومبتلى، ومناضل ومحتل، على العكس من بعض الصراعات الأخرى، التي تكون بين جبابرة الأرض وعتاتها، والتي تقوم على أساس المنافسة في فرض السيطرة والهيمنة على مقدرات الدول الضعيفة، ومصائر الشعوب المستضعفة. كانت دول الإستكبار العالمي وبعد كل حرب عالمية، أو إتفاقية أمنية أممية- قومية- تضع في الأساس ضمان أمنها القومي، وبعد ذلك تتقاسم مناطق النفوذ فيما بينها، والتي تشمل كل ماخلق الله من حجر ومدر، وحيوان وشجر، وخيرات وبشر، ممن يقعون خارج حدود دولهم التي لابد من ضمان أمنها القومي، بأي شكل من الأشكال، وبأي وسيلة كانت. سايكس بيكو وأخواتها، خير شاهد على ذلك، فكانت البلدان الضعيفة تساق كما الأغنام إلى مصير مجهول، وتحدد أطرافها بزيادة أو نقيصة، حسب رغبة ورؤية الدول العظمى- كما تحب أن تطلق على نفسها- ولم يكُ لدول العالم الثالث- سابقاً- والشرق الأوسط- لاحقاً- الحق في رفض تلك المقررات الدولية المجحفة. لضمان عدم وقوف الشعوب الحرة بوجه هذه الإرادة الإستكبارية؛ كانت هذه الدول تحرص على فرض حكومات عميلة، لتقوم بإمصاص نقمة الشعوب من خلال إطلاق الخطابات الرنانة، وإفتعال المواقف المتشنجة، وإنهاك شعوبهم بالتظاهر، وترويضها على الإستكانة، من خلال التبرير تارة، والتخويف أخرى، والتطبيع ثالثة. دول العالم العربي عموماً، ودول الخليج على وجه الخصوص، كانت من أطوع البلدان لتلك الإرادة الإستكبارية، ومن المفارقات العجيبة التي يمكن ملاحظاتها في سلوك الحكام العرب؛ هي خضوعهم المطلق، وولائهم التام لشاه إيران- الشيعي الفارسي- بحيث وصل بهم الأمر إلى تقبيل الأيادي، وتقديم الهدايا والرقص بين يديه، بينما تجدهم اليوم من ألد الأعداء للحكومة الإيرانية التي هي عدوةً لأمريكا وإسرائيل. المفارقة الأخرى، هي أنهم في الوقت الذي يتهمون فيه الشعب الإيراني بالتعصب للقومية الفارسية، نجد إن هذا الشعب - الفارسي- يتشرف بقيادة عربية، تتجسد بالسادة العلماء من أبناء رسول الله( صلى الله عليه وآله)، على العكس من بطون العرب التي كرهت- برغم تنصيب الله وتبليغ النبي- أن تجتمع النبوة والإمامة في بني هاشم، وإستمر هذا الكره وإستطال حتى بلغ الأمر بهم إلى إطلاق صفة الكفر، على من يوالي محمد وآل محمد (صلى الله عليه وعليهم أجمعين). هنا لابد من دراسة المعطيات، والأخذ بالأسباب، وتتبع الدلالات؛ لمعرفة ماهية الصراع القائم في منطقة الخليج، الذي يهدد بقيام حرب كبرى لن يكون لأحد منها مفر، كونها سوف تتخذ من مناطق النفوذ أهدافاً مهمة لها. إيران دولة مستقلة، إتصفت دائماً بسياسة معتدلة، وحضور دولي متميز، تمكنت في فترة وجيزة من تطوير إمكانياتها الصناعية في مجالاتٍ عدة.. منها ما كان على الصعيد العسكري، كمنظومة الدفاع الجوي، ومنظمومة القوة الصاروخية الرادعة، لضمان حقها في الدفاع عن وجودها ضمان أمنها ، حال تعرضها لأي إعتداء خارجي، وأخرى على الصعيد المدني، وهو ممارسة حقها في إمتلاك التقنية النووية، لتوفير الطاقة، وتطوير المشاريع التنموبة الأخرى. أمريكا دولة مستبدة، لم يكن لها عهد- مطلقاً- بإحترام المواثيق الدولية، تحشر أنفها في شؤون الدول والشعوب الداخلية، تمتلك قدرة عسكرية وإقتصادية كبيرة، تعتاش على خلق الأزمات، وتأجيج الصراعات، قد حشرت أنفها في شؤون إيران الداخلية، معتقدةً بأن إيران كباقي دول المنطقة سوف ترضخ للتهديد، وتستسلم للضغوطات، وسوف تقوم بتدمير صواريخها، وإلغاء برنامجها النووي، والتخلي عن مصالحها وحضورها الدولي، لتكون بعدئذ في حماية أمريكا، كما هو حال السعودية الآن، التي تمتهن سيادتها، ويهان حكامها وملوكها، برغم مئات المليارت، ووجليل الخدمات، وفنون الرقص، وثمين العطايا والهبات؛ من خلال تصريح ترامب علناً ولمرات عدة، بأنه لو لا حماية أمريكا لهم؛ لما إستطاعوا البقاء على عروشهم لمدة إسبوعين فقط. تمكنت إيران من خلال سياستها المعتدلة، وسلوكها الدولي المتوازن، وموقفها السياسي القوي، من إحراج أمريكا في مواجهة تجربة لم تكُ قد إعتادت على مواجهة مثلها، فقد إتسمت هذه المواجهة في توجه سياسي إيراني معتدل، بخطىً حثيثة واثقة ثابتة، وأهداف واضحة معلنة من جهة، وتخبط أمريكي في السلوك السياسي، تجاه التعاطي مع مواقف الحكومة الإيرانية من جهة أخرى. لجأت أمريكا إلى إستخدام ما كرهته قريش سلفاً، وأججت فتنة طائفية، بمحاولة يائسة منها، للنيل من الموقف الإيراني الصلب، وكان العراق ساحة الصراع، وبؤرة النزاع، ومنطقة الحرام لتراشق السهام، فإجتاحت داعش أرضه وأستباحت عرضه، ودمرت ممتلكاته، ونهبت ثرواته، وإذا بخميني آخر- سيد عربي هاشمي- يصدح عالياً بمجاهدة صنيعة الإستكبار، ودسيسة آل سعود وبطون الخليج، حتى إنجلت الغبرة عن نصر عظيم، وتحالف عراقي- إيراني صميم، فإنكفأت أمريكا وأذنابها، وعاد العراق حراً، وبقيت إيران صامدة. زبدة المخاض، وخلاصة المقال، الإعتدال طريق نجاة، ومصلحة العراق فوق كل إعتبار، والمعطيات تشير، إلى ضرورة بقاء وديمومة وثوثيق التحالف العراقي الإيراني، لعروبة قيادتها، وأصالة سيادتها، وإرتباطها المصيري مع العراق، فلا عراق بدون إيران، ولا إيران بدون العراق.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha