شذا الموسوي
بيان القمة العربية الطارئة المنعقدة في مكة يكاد يكون بيان التهيئة لاعلان الحرب على ايران، وهو ما سعت اليه المملكة السعودية ودول الخليج منذ وقت طويل، ومن خلفهم المستفيد الاكبر من اي صراع دموي يحدث في المنطقة وهو الكيان الصهيوني اللقيط، الذي يستند في امنه على اشعال الحروب واشغال الدول العربية والاسلامية بالصراعات الطائفية والعرقية والدينية، لصرفهم عن القضية الفلسطينية التي كانت في وقت ما قضية العرب والمسلمين المركزية.
فاذا وقعت الحرب في الاسابيع القليلة المقبلة –كما اتوقع- فستدخل المنطقة واحدة من اكثر فتراتها سوءا وسوادا، وستطال نيرانها الدول التي اشعلتها والتي كانت تنعم طوال عقود بالامن والاستقرار..فالحرب على ايران ليست هي الحرب على العراق.. واذرع ايران في المنطقة كفيلة بالحاق الضرر بمصالح دول وكيانات تظن نفسها بعيدة عنه..وستبدو حينذاك حوادث السفن على السواحل الاماراتية والصواريخ البالستية على نجران مجرد دعابة... ولا استبعد حدوث زلازل سياسية ان لم تطح بانظمة طال تذمر شعوبها منها، فعلى الاقل قد تدخلها في قلاقل وانقلابات دموية واحداث عنيفة لم تشهدها من قبل.
اما ايران التي تعاني الان ازمة اقتصادية تعصر ابناءها وتذيق شعبها مرارة الجوع والغلاء والعوز..فستضاف الى اعبائها عبء الجهد العسكري والقتالي.. وستزف الى ساحات المواجهة خيرة شبابها ورجالاتها ، كما ستضع على المحك عقيدتها السياسية التي بنت عليها حكمها طوال هذه العقود الاربعة ، وان كنت اجزم ان هذه الحرب وان طال امدها، لن يمكنها ان تنال من النظام السياسي فيها، كما يحلم الحالمون، لكن اقصى ما يمكن ان تفضي اليه الحرب، هو ان تلملم ايران نفسها، وتوقف نشاطاتها الخارجية و تمويل الفصائل العقائدية المرتبطة بها، او تشكيل فصائل جديدة حسب ما تحتاجه مناطق الصراع الدولي والاقليمي، وهذا ما يمكن ان تقدمه ايران على طاولة المفاوضات دون الدخول في الحرب.
واذا تمعنا في الوضع الامريكي، فان الشعب والساسة هناك ما زالوا يتجرعون مرارة الحرب على العراق، وقد سمعت بأذني ورأيت بعيني كيف يلعن الاميركيون كل يوم بوش الابن الذي ادخلهم في تلك المعمعة التي لم يتعافوا من ويلاتها حتى اللحظة، بل واتذكر جيدا عندما ذهبت هناك للدراسة كيف يبادر المواطن الامريكي العادي الى الاعتذار مني بكل خجل مما فعله قادته وسياسيوه بالعراق حالما يعرفون انني عراقية. بل واكثر من ذلك عندما التقيت ببعض اعضاء الكونغرس الامريكي الذين اعربوا عن ندمهم على خوض تلك الحرب، وسخريتهم من رجالاتها الذين لعنهم التاريخ والشعب الامريكي فانزووا في زوايا النسيان. ومع يقيني ان ادارة ترمب - التي تعاني من اعتراضات متزايدة على نهجها حتى داخل الحزب الجمهوري نفسه- قد قبضت الان ثمن الحرب، ولن ترضى باقل من ضربات جوية على مواقع ستراتيجية مهمة في العمق الايراني وفي العراق وسوريا وغيرها من ساحات قد تستجد في حينها، الا ان علينا ان لا نغفل عن دور محتمل لروسيا والصين قد يكلف اميركا ما لا تجرؤ على التفكير به حاليا.
ما يهمنا فعلا اكثر من غيره هو وضعنا نحن كعراقيين، وهو لا يبشر بخير كما يدرك الجميع، فالفرز السياسي الذي بدأ منذ مدة سيزداد وضوحا، وليس اخر تداعياته تنازل العبادي عن جميع مناصبه القيادية في حزب الدعوة. ورغم ان معظم الفصائل المسلحة قد اعربت عن رفضها للحرب والانخراط بها، لكن حالما تندلع فعلا، فلن تجد بدا من الاصطفاف بسرعة مع عمقها الولائي العقائدي، لتصبح جزءا من الصراع، بل احدى ادواته، ولن تفلح كل محاولات الحكومة العراقية او المرجعيات الدينية في كبح جماحها، ولتجعل من العراق ساحة من ساحات الحرب التي لم يعد الشعب العراقي يتحمل المزيد منها. ومع اول رصاصة تنطلق، ستنهار الكثير من التحالفات السياسية التي قامت على اساس المصالح الضيقة والمساومات الرخيصة، وسيعود الخنجر الى ساحات الاعتصام ويصيح قادمون يا بغداد، ويرقص مشعان الجبوري على اشلاء ضحايا سبايكر.
https://telegram.me/buratha