عبد الكاظم حسن الجابري
جُبلَ الإنسان على التعايش في مجتمعات سكانية مختلفة, تختلف هذه المجتمعات في طبيعتها وأسس تنظيمها وكذلك طبيعة المستوى العمراني لها.
هذا التعايش ألقى بضلالها على سلوك الفرد, وصار محكوما بسلوكيات –غريزية أحيانا ووضعية أحيانا أخرى- عليه أن يتمثلها كي يحظى بالمقبولية للعيش في ظل المجتمع, وصار لزاما عليه أن يسير بمنهجية عقلانية ترسم طبيعة علاقته بالأفراد الآخرين ضمن المجتمع الواحد.
أحيانا يعيش بعض الأفراد انفلاتا أخلاقيا أو سلوكيا, يجعله بموقف النشاز ضمن دائرة التعايش, ويتعدى الأمر في ظل سلوك متطرف بالانحلال أن يصبح الفرد منبوذا من قبل الآخرين.
من خلال تجربتي ومتابعتي لطبيعة سلوكيات الأفراد ضمن المجتمع, وخصوصا مجتمعنا الشرقي, وبالأخص مجتمعنا العراقي, وجدت أن هناك محددات خمس ترسم طبيعة سلوك الفرد ضمن المجتمع, وتلقي بظلالها على منهجيته في العيش ضمن النسيج الاجتماعي الواحد, وهذا المحددات الخمس تعد بمثابة الإطار الذي يتحرك ضمنه الفرد, ليمارس أفعاله ويطلق أقواله ويتعايش مع الأفراد الآخرين ضمن قوالب العلاقات الاجتماعية المتنوعة (القرابة والنسب, الصداقة والصحبة, الجورة والمنطقة والدراسة والعمل).
المحدد الأول الذي يؤثر على سلوك الفرد ضمن المجتمع هو المحدد الديني والمورث العقائدي الذي يتبناه الفرد, حيث يمثل الدين مجموعة من القوانين والأنظمة الحاكمة, التي أنزلها الشارع المقدس, ليرسم فيها ويحدد من خلالها ما يجوز وما لا يجوز للفرد عمله, وأن من يتعدى هذه الحدود فقد وضع نفسه تحت طائلة الحساب الشرعي, وتدخل هذه الأفعال ضمن دائرة الأحكام الخمسة (الواجب والحرام والمباح والمكروه والمستحب), وتشترك جميع الأديان في هذه الإلزاميات مع اختلاف بسيط في التطبيقات, كون كل الاديان السماوية مصدرها واحد.
المحدد الثاني هو المحدد العائلي والعشائري والانتمائي, ففي هذا المحدد يمثل الانتماء قيمة أخلاقية عليا لسلوك الفرد, فتكون سمعة العائلة على المحك من خلال تصرفات الأفراد, ومن يخشى على هذه السمعة سيتصرف وفق تصرفات موزونة ومنضبطة.
يثمل المحدد الثقافي والاكاديمي محددا ثالثا لسلوك الفرد داخل المجتمع, فهذه القيمة التي يحملها المثقف او الاكاديمي تجعله يتصرف ضمن أطار ملتزم بعيدا عن العشوائية والطيش.
كذلك تمثل القيم الذاتية والكاريزما الشخصية محددا رابعا لصقل سلوك الفرد داخل المجتمع, تجعله يعيش في سلم وسلام مع نفسه ومع الآخرين.
المحدد الخامس والمهم جدا! والذي يؤثر على سلوك الفرد ضمن المجتمع هو محدد الضمير, فالمرء الذي يؤنبه ضميره لأدنى خطأ يرتكبه سيكون مراقبا لأفعاله ومنزها لنفسه عن رذائل الاخلاق.
هذه المحددات الخمس تجعل من الأفراد متحابين ومتعاونين, ويمتازون بالسلاسة في التعامل.
المشكلة الكبرى والحقيقة والخطرة هي أن يعبر الفرد ويتجاوز كل هذه المحددات, فعندها سيصبح وحشا ضاريا ويعبر إلى مرحلة النشاز ليكون خطرا على المجتمع وبنيته النسيجية.
https://telegram.me/buratha