أحمد لعيبي
اتكأ على بندقيته وهو يهم بالجلوس امام احد مواكب الدعم اللوجستي اذا ينادي ذلك الرجل الذي يرتدي عقالا ويشماغا (سمج..سمج..لحك يا مجاهد)
جالت به الذكريات الى حبه الاول والى رسالته الاولى التي بعثها قبل عام لتلك الانثى التي كان يكرهها بلا سبب ...!!والتي لم ترد عليه فيها ..
ثم يعود من جديد ليبعث لها رسالة اخرى في ساعة متأخرة من ليلة شتوية ولترد عليه..
وهنا كانت المفاجأة له بسرعة الرد والتي اعتبر يومها ان الامر هندسة إلهية ..
اخبرها بشجاعة انه كان يكرهها بلا سبب ..وقالت له بنبل الشروكيات انها سامحته على كرهها ..
كانت اول جلسة له واياها على مادبة سمك وغرق واياها ومن معهم في بحر من الدمع وهم يستذكرون ملحمة الحشد وقصة احد المقاتلين...
وضعته امامه قطعة من السمك وبضع حبات من الرز ونصف رأس من البصل ..كان يأكل وطيفها معه ..
كان يقضم البصل ويضحك مثل المجنون لأنه احس ببريق عينيها وهي امامه في اول لقاء..
صار الرجل مفضوحا ففي رأسه وعيونه ونبرات صوته صارت هي ...
يالله كيف انقلبت تلك العداوة والكره الى حب خارق جعل منه يسكن السواتر ويعشق الرصاص من اجل ان لا يمسها سوء..
وما ان ارتبط بها حتى صارت نبض قلبه ..
يراها في كل مكان ..يتنفسها في السواتر ....
كان كثيرا ما يمسك بشعرها ويملشه كلما ضايقته وكلما تخاصم معها ينوي ان يطلقها صباحا لكنه عند المساء يعود اليها وتعود اليه مثل طفلين صغيرين
كان يغني لها (يا ريحة مسج ياهيل ) وكانت تغني له (انت عمري اللي ابتده بنورك صباحه )..!
كان كلما احتضن قلبها او يدها قالت له انت امي التي عادت بوجهك..
وكان يقول لها انت لمسة المسيح التي تبرأ قلبي من كل علله..
كانت ممتلئة به وبحبه وكان يطوقها بذراعه التي يمسك بها الان بندقيته من اجلها ..
كانت تسميه سندي ...وكان يسميها انثاي ونصف ربيعي الآخر..
كانت هي كل يومه وان غابت عنه وكان هو كل شغلها وان انشغلت بشغلها...
اكمل طعامه واتصل بها (يا كل كلي ..كيف حالك يا كل حالي ..كيف حال طفلنا الذي لم يولد بعد ولم يخلق بعد ..كيف حال عينيك..وكذلتك التي تشتاق لتمليشة يدي ... )..كانت تقول له (هية شنهيه والله مزاعلتك..ماماماما..وكان يضحك حد البكاء ..
اخبرته انها مريضة ومقبوضة القلب وانها مشتاقة له
واخبرها بان الوطن مريض وقلبه يهفو للقباب والمنائر وانه مشتاق ل علي ...
انقطع الخط واعادة الاتصال عليه ..
(الرقم الذي طلبته صاحبه ممدود بالساتر ..الرجاء اعادة شريط الذاكرة لبقية العمر)..
اعادة الاتصال مرة اخرى..
(عزيزتي المكَذلة ..حبيبك شهيد..الرجاء عدم الاتصال مجددا)..!
عندما وصلت جنازته بباب الدار اغلقت الغرفة عليها واخرجت كل من فيها ونثرت شعرها وصاحت بلوعة(ها ولك ئحميد..هاك ملشني ..هاي كذلتي ..هاك اضربني ...طلكني الصبح ورجعني العصر..احجي عليه ..سويني جندي ..بس لاتروح ..
صرخت بأعلى صوتها ..وقصت كذلتها وظفيرتها ووضعتها بيده وهي تصرخ..هاك ..ملش ..هاك ..لا تروح...هاك..
كان جرحها عميقا بفقده و كان جرحه اكبر لفراقها فلقد بقيت احدى عينيه مفتوحه تنظر لها من كل اتجاه ..!!