ميثم العطواني
تعاظم قلق دول المنطقة الحليفة مع الولايات المتحدة الأميركية خلال المدة القليلة التي أعقبت تزايد التصعيد والتوتر في الخليج، بعدما أسقطت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الطائرة المسيرة الأميركية باهضت الكلفة التي تعد الأولى من طرازها على مستوى التكنولوجيا العسكرية، وتخشى هذه الدول فعليا إحتمال نشوب الحرب بين واشنطن وطهران كونها هدفا مباشرا تحت مرى نينران الصواريخ الإيرانية لاسيما بعد ان أثبتت تجربة الميدان إسقاط الطائرة رقم واحد عالميا من حيث الدقة والتطور، وبهذا صار جليا وواضحا ل "إسرائيل" ودول المنطقة مدى اقتدار وتطور إيران الذي أعلنت عنه مرارا وتكرارا.
إيران التي حذرت بلهجة شديدة القسوة من أن انتهاك حدودها يشكل خطا أحمر، وذلك بعد إسقاط طائرة التجسس المسيرة الأميركية التي اخترقت مجالها الجوي في مؤشر جديد على تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران في المنطقة، والذي قابله تهديد ووعيد أميركي غاضب في ردت فعل لإسقاط طائرة التجسس الذي يعتبر في الحسابات السياسية اسقاط جزء كبير من قوة الولايات المتحدة التي فرضتها على دول العالم طيلة العقود الماضية، حيث اقتضى هذا التصعيد بموجب ما ذكرت إذاعة الكيان الرسمية أن "الأمن الإسرائيلي يستعد لأي إحتمال"، بالرغم مما نشرته صحف أميركية حول تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اللحظة الأخيرة عن شن هجوم على إيران كان مقرراً فجر الجمعة، وذلك بعد مشاروات مع مستشاريه، وخوفاً من تصاعد الأوضاع في المنطقة، فيما ذهبت الصحف "الإسرائيلية" للحديث عن قلق تل أبيب من أي رد أميركي ضعيف على إيران سيؤدي لمزيد من التصعيد.
الواقع يشير الى أن تراجع ترامب في اللحظة الأخيرة عن توجيه ضربة لأهداف إيرانية في الدقيقة الأخيرة يثير العديد من التساؤلات التي يعد أبرزها، إن كان هذا عدولاً نهائياً عن الضربة ؟، أم إن هنالك أسباب إستراتيجية وتكتيكية يستوجب تلافي ثغراتها ؟، وما إعلان توجه مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جون بولتون خلال يومين إلى "إسرائيل" لإجراء لقاءات محورها "الأمن الإقليمي" وذلك مع تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران إلا دليل على ذلك.
ترامب الذي لم يكن همه منذ استلام السلطة وحتى الآن إلا استحصال الأموال للولايات المتحدة بأي طريقة كانت، لم يتوان ساعات للرد بالمثل على أقل تقدير لإسقاط الطائرة باهضة الكلفة وليس التراجع في الدقائق الأخيرة عن قرار توجيه ضربة لإيران!! لولا الأخذ بعين الأعتبار وضع "إسرائيل" وادراك نسبة الدمار التي ستحل بها بعد توجيه ضربة أميركية لإيران، بالإضافة الى تدمير بحرية الولايات المتحدة في الخليج العربي، لاسيما وان مسؤولين كبار في الأجهزة الأمنية والصحية في "إسرائيل" حذروا من عدم الجهوزية للتعامل مع عدد كبير من الإصابات والقتلى في آن واحد حال اندلاع حرب متعددة الجبهات، "خصوصاً بعد تحسن قدرات العدو العسكرية" في إشارة الى قوة إيران حسب تعبيرهم.
ترامب الذي أكد "انه لم يعلن بعد عن كيفية الرد على اسقاط ايران لطائرة اميركية مسيرة"، كان يدرك مدى عواقب توجيه ضربة لأهداف إيرانية لا يجني من وراءها إلا توجيه ضربات صاروخية موجعة "لإسرائيل"، وتدمير الأساطيل البحرية والقواعد الأميركية في المنطقة، كما يدرك جيدا ان إيران بعد الحصار الغير قانوني الذي فرض عليها باتت لا يهمها شيء، خصوصا وان هذا الحصار زاد من تلاحم الشعب الإيراني مع قيادته وزاد من كرهه وعدائه لإميركا.
وعلى الرغم من التصريحات الصادرة عن مسؤولين في واشنطن وطهران تؤكد عدم نيتهما الانجرار الى حرب، إلا ان التوترات الأخيرة تثير الخشية من انفجار الوضع مجددا، واعتبر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس خلال زيارة له الى باريس بعد إسقاط الطائرة الأميركية، أن "هناك خطرا بنشوب حرب في الخليج"، داعيا "جميع الأطراف الى الحوار"، وأوفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستشاره الدبلوماسي الى إيران في إطار جهود أوروبية لتخفيف التوتر بين طهران وواشنطن بحسب ما أعلنته الرئاسة الفرنسية يوم أمس، فيما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "أن أي استخدام للقوة من جانب الولايات المتحدة ضد إيران سيقود الى كارثة في المنطقة"، وسلط الإعلام "الإسرائيلي"ًالضوء على مواقف لأعضاء في الكونغريس عن الحزب الديموقراطي خلال لقائهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبروا عن "خشيتهم من التصعيد في الخليج" ودعوا الى "العمل على تهدئة الأوضاع"،
ورأى مستشار الأمن القومي لترامب أن "تأجيل الضربات في الوقت الحالي هو خلق فرصة لحل سلمي، وان الرئيس لا يريد الحرب مع إيران".
ويعكس النقاش الداخلي للأمن القومي اتجاهين متعاكسين ، حيث يقال إن المتشددين مثل بولتون يحثون على التحرك، بينما يحث المستشارون العسكريون على توخي الحذر، ويبدو أن قرار ترامب في اللحظة الأخيرة بإجهاض الضربات يعد هزيمة واضحة لصقور الإدارة وخاصة بولتون، وتبقى إيران وحدها الأوفر حظا للتحكم في زمام المبادرة.
https://telegram.me/buratha