محمود الهاشمي
انشغل الاعلام العربي منذ ايام بما يسمى بـ"ورشة البحرين" ، وما لفت نظري ان جميع من فاوض في القضية الفلسطينية استصحب معه حجم الهزائم والانكسارات والخيبة التي تمر بها الامة، وبهذا سيكون "مفاوضاً" ضعيفاً، مع ان حقوق الشعب الفلسطيني هي اكبر من كل هذه الهزائم والانكسارات، وتبقى هي قضية الامة الاولى التي لايجوز التنازل عنها طالت المدة ام قصرت..وان الذي يرى نفسه "ضعيفاً" و"مهزوماً" غير مجبر ان يكون "مفاوضاً "عن غيره، او ليترك الامر حتى تاتي ظروف يكون فيها قادراً ان يدخل ميدان التفاوض ليحصل على حقه.
"ورشة البحرين" غاب عنها الشعب الفلسطيني وغابت السلطة الفلسطينية عنها ايضاً، فهل يحق ان نفاوض نيابة عنه، بعد ان اصدر الشعب الفلسطيني والسلطة بيان رفض المشاركة بل وتحميل من يحضر مسؤولية التفاوض؟
قد يقول البعض ان الشعب الفلسطيني يعاني كثيراً، على المستوى المعيشي والخدمي، من الحصار والغربة ..الخ، ونقول انها قضيتهم وهم الراضون ان يتحملوا كل هذا من اجل ارضهم ووطنهم، حتى ان رساما صهيونيا رسم كاريكاتيراً عن طفل فلسطيني تواً جاء للدنيا وبيده حجارة يطلقا على الجنود الصهاينة.
غزة عبارة عن صندوق من الكونكريت محاصر من جميع الجهات لكن الام الفلسطينية، تنجب خمسة اولا وستة في هذا الصندوق وأول نشيد يحفظه هؤلاء الاولاد وهم في المهد "اأنا لا أنساك فلسطين".. واول قصيدة يحفظها بالروضة (ياعدو الشمس اني لن اسام والى أخر نبض في عروقي سأقاوم) وتقول الامهات " نحن لا ننجب طفلا انما ننجب مشروع مقاوم"".
الناظر لـ"ورشة المنامة" يرى عجباً، حيث الداعي لها "ترامب" وهو الذي سبقها بسلسلة من الامتيازات لاسرائيل منها الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل وبضم الضفة الغربية لاسرائيل وكذلك الجولان...الخ، ترى كيف نأتمن مصير هذه القضية التي كبرت معنا وترعرعت في ضمائرنا لشخص مثل هذا؟.
لماذا ذهب من ذهب بما (قل او زاد) من التمثيل، ليكون في قفص الاتهام، وهم يعلمون جميعاً ان "هذه مؤامرة على شعب لم ينافسه شعب بحجم التضحيات؟ ".
اقول ان الجميع غير مجبرين على حضور مثل هذا "المأتم" فلا الشعب الفلسطيني فوضهم ولا حكومتهم ولا شعوبهم فوضتهم، فاما ان تذهب وانت تملك قوة التفاوض وخلفك شعبك وايمانك وقوتك واما ان تهجر الامر لاهله حتى ياذن الله!!.
ان التفاوض في قضية مثل القضية الفلسطينية ليس بالامر الهين، بما تملك من ملفات معقدة، وما فيها من تداعيات محلية وعالمية، فمن لم يرق الى حجمها اولى به ان يلتزم الصمت على الاقل!
يقول صائب عريقات في مقدمة كتابه "عناصر التفاوض بين علي وروجر فيشر": "على الرغم من كل الضعف العربي والانحطاط وعدم استخدام لغة المصالح والاحتلال والحروب والانقسامات والانقلابات والانشقاقات كان امير المؤمنين سيدنا علي بن ابي طالب "رض"معي، كان قوتي وعزتي وعلمي وفخري وصبري ونضالي ومقاومتي واستمراري وبقائي والهادي والممسك بيدي حتى القدس الشريف"، اذن من يرغب ان يفاوض خصمه ليستحضر رموز امته، وتاريخها ومصادر قوتها، لا ان يستحضر مصادر الضعف والوهن...
فالرايات التي ترفع في المعارك توضع عليها الاسماء والعناوين والاشارات ، وهي في مفهومها العام ليس باكثر من "خرقة" يلعب بها الهواء، لكن في مفهومها المعنوي هي احد مصادر القوة واستحضار القيم الرفيعة ، والانتصارات.
ان (الهزيمة) التي قرأتها في وجوه الحاضرين في (ورشة المنامة) كانت واضحة وجلية ولا تشعر ان احداً من الحضور ممن جاء ليمثل القضية الفلسطينية لقادر ان يصرخ في وسط الجمع الظالم (ان ارض فلسطين ليست للبيع ، واذا احتاج الفلسطينيون فنحن أولى بسداد حاجتهم)
الغريب ان المبلغ المرصود لـ (صفقة القرن) هو (50) مليار دولار على ان تدفع دول الخليج 70% من المبلغ!!
فلماذا لا يدفعه الخليجيون بشكل مباشر الى السلطة الفلسطينية ؟
تذكرت حادثة بالتأريخ أيام الاحتلال الإنكليزي للعراق ، ان وفداً انكليزياً فاوض احد ابطال التحرير من أهالي الديوانية واسمه حمدان (كما مثبت في وثائق المملكة المتحدة) وكان التفاوض يقضي ان حمدان يركب فرسه وينطلق حيث تتعب وتقف الفرس لتصبح الأرض وما عليها ملكاً له ، وتحت امرته مقابل ان يترك القتال ضد الإنكليز ، فهمس حمدان في اذن فرسه ، فقال له رئيس الوفد الإنكليزي :- ماذا قلت لجوادك يا حمدان؟ فأجاب :- أشرت عليه بأقتراحكم !! فقالوا وماذا رد ؟ فقال: قال لي يا حمدان ، الأرض ارضكم والزرع زرعكم والفلاحون أهلكم ، فما للاجنبي وما لكم ؟
فأرسل الوفد يومها رسالة الى الملكة فكتوريا ومن ضمن ما جاء فيها (حمدان يقول ان اقتراح الملكة لا يتقبله حتى حيواناتنا)
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha