باقر الجبوري
(( قد )) تكون الصورة لمنشور قديم كنت قد كتبته في مجلة ( توت عنخ امون الأسبوعية ) والتي كانت تصدر في المدينة الفرعونية القديمة وتحدثت فيه عن عصر الفراعنة في مصر القديمة وتقييم السياسة التي انتهجوها في الحكم وانطلاقا من بناء وأعمار المدن والاهرامات والقصور الخاصة بهم مما يصب في مصالحهم الشخصية وأنتهاءً بالتذكير بفشلهم في الذريع في العمل على بناء شخصية المواطن المصري في المجتمع من ناحية التعريف بالحقوق والواجبات والتعريف بدور المواطن في البناء السياسي والثقافي للحكومة وغيرها من المجالات ليشعر بقيمته وسط المجتمع .
اتذكر حينها ان الفرعون (( أمون راع تحتمس الثالث )) قد اعجب بالمقال كثيرا لدرجة أنه قام بأرسال حاشيته ورجاله الى داري الصغير محملين بأغصان الزيتون وحملوني على الاعناق حتى أنزلوني بين يديه الكريمتين وكاني الان أستمع الى من كنّ حوله من الجواري وهن يتغنين بانشودة عراقية قديمة أستورثوها من الأجداد الى الاحفاد وما زالت تتردد لكل من يحكم ذلك البلد الجميل وهي أنشودة (( بيدك الطيبة الكريمة والله داويت المواجع ))
ثم اومى اليّ برأسه فقال لي وبالحرف الواحد ...
(( جميل جدا أن تكتب عن فشل الحكومة وذلك نقد بناء وتشكر عليه ... )) وقال (( كتاباتك ومجهوداتك حرية فكرية لن يحاسبك أحد عليها وانا معك في ان تستمر بذلك النقد )) أنتهى.
ثم قام من كرسيه الذهبي حاملا صولجانه .
واخذني معه في جولة تفقدية في قصوره وأملاكه وجناته حتى وصلنا في نهاية المطاف الى مقبرة الفراعنة الخاصة بالعائلة الملكية حيث أستدعى بعدها رئيس البنائين وأمره أمامي بأنشاء هرم صغير في المقبرة وعلى وجه السرعة وعند أخبروه بالانتهاء منه قال لي (( تحتمس )) باعتبارأنه قد أصبح صديقا لي (( ادخل يا صديقي الى القبر وأكمل كتاباتك هنا فالمكان كله لك)) ثم ابتسم وقال (( انتم معشر الكتاب تحبون العزلة )) .
وقبل ان يركب عربته الملكية ويتركني في القبر التفت ألي وقال انه سيقراء كل منشوراتي بعد ان يموت ويذهب الى العالم الاخر وانه وصى بأن يدفن في الاهرام الكبير الذي بجانب أهرامي الصغير وأشار اليه بصولجانه حتى يستمتع بكتاباتي ويكون متأكدا من أستمرار التواصل بيننا حتى في ذلك العالم .
هكذا وعدني وهو يودعني قبل أن يغلق عليّ باب الهرم المصنوع من الأحجار الكبيرة ملوحا بيده (( الى اللقاء ))
المشكلة حينها انه نسي ان يدفن معي في القبر (( شاحنة )) الموبايل مع أنه لم ينسى ان يضع بجانبي في القبر صندوقا مفتوحا يحوي الالاف من الخنافس من أكلة اللحوم علها تؤنس وحدتي في القبر كهدية وكعربون صداقة للعالم الاخر ولا تتعجبوا فقرصة الخنفساء تلك كانت في ذلك الزمن تمثل النگز أو الاعجاب في برنامج الفيس بوك في عصر فراعنة 2003 وما بعدها .
بعد ساعات انطفأ كل شيء (( الموبايل )) والنور وكل شيء ...
فلا شاحن ولا كهرباء ولا فرعون، لا شيء غير الخنافس فهذا ما كانت تنتظره
في بعض الاحيان أعتقد انه تعمد نسيان الشاحن، وأن انتقاد فشل الحكومة في بناء الانسان في المجتمع كان أمرا يستحق ان ادفن لاجله مع الخنافس بلا شاحن موبايل .
لم تنتهي الحكاية فقد ضحكت بعدها كثيرا (( وسط الظلام ))، لانني علمت انه لن يقراء ما كنت ساكتبحتى لو كتبت وحتى لو كان الشاحن موجود، لانه لم يأخذ الكهرباء معه الى قبره ولان الخنافس سترتحل بعد مدة من عظامي البالية الى لحمه النتن!
المهم سيذهب فرعون وسيذهب غيره معه، ولن ينفعه هرمه الكبير والقابه الرنانة ونعشه الرخامي أو حاشيته التي ستدفن معه فالخنافس لاتعرف الكبير من الصغير ولا المالك من المملوك ولن تفرق بين جيفته وجيفتهم فكلهم سواسية تحت فكيها الصغيرين.
وستبقى منشوراتي تحكي حكاية الانتصار حتى بعد الموت، وان الباطل لن يدوم لبشر لاحد أبدا
https://telegram.me/buratha