كاظم الخطيب
شباب غُرٌ، بصفحات ذهنية بيضاء، ووجوه نضرة مشرقة، ونفوس صافية بريئة، وعقول متقدة عطشى، مليئة بعلامات الإستفهام، وملاحظات الإستعلام، وعمليات بحث مستمرة عن سر وجودهم في هذا العالم، ولمَ هذا التفاوت بين واقعهم المرير، وبين غزارة الثروات والموارد لبلدٍ هُمْ مواطنوه، يعتبر من أغنى بلدان العالم؟.
طاقات شبابية هائلة، وثروة بشرية جبارة، تبدد- كما غيرها من ثروات البلاد- جراء الممارسات الحكومية غير المسؤولة، والجهل والإهمال المتعمد وغير المتعمد، وتغليب المصالح الشخصية، والعائلية، والعشائرية، والفئوية، والحزبية، على حساب شريحة تعد من أهم شرائح المجتمعات في بلدان العالم كافة.
تربية النشئ إنما هي مسؤولية جسيمة وخطيرة جداً، وهي عملية معقدة، ومسؤولية تضامنية مشتركة، بين العائلة والدولة والمجتمع ، واستغلال هذا النشئ لمصالح خاصة، وأغراض شخصية، يعد جريمة كبرى، يعاقب عليها الله جل وعلا، والناس، والقانون.
من الأخطاء الشائعة؛ هو إطلاق مفردة التربية على عملية رعاية الأبناء من قبيل إطعامهم وإكسائهم والمحافظة عليهم من الأمراض والحوادث الأخرى، والحق إن ذلك ليس من التربية بشي؛ بقدر ما هو رعاية وإهتمام وعناية.. لذلك لم نجد يوماً، إن أحداً من الأنبياء أو المصلحين قد دعا إلى إطعام الأولاد أو إكسائهم، بالقدر الذي كانت تحث عليه جميع دعواتهم، بضوح تام ، وإجماع عام، على بناء المنظومة الأخلاقية بناءً سليماً، من خلال الدعوة إلى توجيه طاقات الفرد نحو السلوكيات الإيجابية، والأفعال الحميدة، والممارسات السليمة، ليكون لبنة صالحة لبناء مجتمع متحضر، وبلد متطور.
إن الدعوات المتكررة، التي طالما أطلقها سماحة المصلح الأكبر، والمرجع الأندر، والعالم الهزبر، السيد علي الحسيني السيستاني( دام ظله الشريف) صاحب أهدى الرايات، وطالب أسمى الغايات، ودافع مجمل الشبهات؛ إلا دليل على حرص عنايته الكريمة على إستثمار طاقات الشباب، وتوظيفها لبناء أمة تنعم بالخير وتدعو إلى الصلاح؛ من خلال بنائهم بناءً سليماً، وهدايتهم طريقاً سوياً قويماً، وتحييد عقولهم عن أفكار الشرك والظلال، ودعوات السفاهة والإضمحلال، وصيحات المجون والإنحلال، والسمو بقدراتهم الفكرية، وتمكينهم من سلاح الحجة والدليل، لمواجهة الغزو الثقافي الذي يحيط بهم من جميع جهات حياتهم.
النت عموماً، ومواقع التواصل الإجتماعي بشكل خاص، شريكنا الثالث في تربية أبنائنا؛ هو ما حذرت منه المرجعية المباركة، لإدراكها الحكيم، بالخطر الجسيم الذي تمثله هذه المواقع على سلوكيات الشباب، والفتيان من ذوي الأوعية الذهنية الفارغة- نتيجة لتقصير الأسرة والدولة والمجتمع- والتي تتطلع لما يملؤها بما يشبع رغباتها للمعرفة، وما يؤهلها لمواكبة التطورات السريعة التي تحدث في محيطها المحلي والإقليمي والعالمي.
مع غياب المرشد الناصح، والمربي الحصيف، وقلة- أو قل إنعدام- المؤسسات الحكومية الراعية، وندرة القدوة الصالحةِ و المَثَلِ الأعلى؛ فإن ذلك يجعلهم يتخبطون في خضم هذا الكم من المعلومات، ويتطبعون بسيل شاذ من السلوكيات، لملء حيز الفراغ الذي في عقولهم، وري عطش الشغف الذي في نفوسهم، من خلال التقليد الأعمى، والإنقياد التام، لإرادة خارجية تستهدف الأمة الإسلامية- عموماً- والمذهب الشيعي-خصوصاً- في الصميم.
سبابون شتامون؛ هم الرهط الذي كره عملهم الله( سبحانه) ورسوله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام)، وصالح المؤمنين.. رهط ينعقون وراء كل ناعق، يسبون لا عن دراية، ويشتمون لا عن سابق معرفة، دأبهم التعيير، وسمتهم التشهير، هم أدوات لكل فتنة، ومطية لكل حاكم فاسد، وعدو متربص حاقد، معول هدام في جسد الأمة، لا يرعوون، ولا يُستعتبون، يخشاهم الناس لسلاطة ألسنتهم، وفُحش ألفاظهم، لا يكادون أن يفقهون حديثاً.. هؤلاء هم الغالبية العظمى من شباب الأمة، وهذا هو حالهم، وهذه هي صفاتهم، وهل بعد هذه الخسارة المريرة من خسارة أمر، أم هل من طامة أكبر، أو خطب من ذلك أخطر؟
الأخلاق إنما هي هوية الأمة- دون أيما شك- وسمتها البارزة، وأداتها الفاعلة، وعمودها الفقري، وأرضها الخصبة؛ التي يمكن من خلالها زراعة بذرة الخير والصلاح، ورعايتها، وتنميتها، حتى تستغلظ وتستوي على سوقها؛ لتغيض بها الكفار، كما ذكر الحق جل وعلا في محكم الكتاب؛ حين ضرب المثل بهذه الأمة في الإنجيل، وعندما تنموا هذه البذرة ويخرج شطـها- فراخها- وتتكاثر وينعم المجتمع بالخير والصلاح؛ تجدهم يسعون إلى نيل أعلى مراتب الكمال؛ من خلال حرصهم على إبتغاء الفضل والرضوان من الله (سبحانه) ، كما هو مثلهم في التوراة، حينها فقط.. سوف تكون لدينا أمة رائدة، تزخر بالعطاء، وتنبض بالحياة، وتدعوا إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتلقي بالسيف جانباً، ليجدر بها حقاً، أن تكون أهلاً لأن تقود العالم إلى بر السكينة والعدل والسلام.
ختاماً.. لا أمة بدون أخلاق، ولا أخلاق بدون تربية، ولا تربية بدون قدوة صالحة، ولا جيل صاعد بدون إنموذج واعد، ولا عراق.. إلا بحشد شعبي مدني، قوامه النساء والرجال، مؤهلاته الوطنية والنزاهة والشرف، لإجتثاث دواعش الفساد، وساسة المجون والإلحاد، وإقتلاع جذور التبعية والإستعباد، والنهوض بواقع البلاد والعباد.
https://telegram.me/buratha