ميثم العطواني
لم تعد الكتابة عن ثوار المرجعية الدينية شيئاً جديداً، ولم يجد الكاتب ما يفي ولو نقطة في بحر بحق اولائك العظماء، لان كيانهم صار عنواناً للشهادة، ومناراً للتضحية.
ان تاريخ الحوزات العلمية وعلى امتداده لايخفى عن المتابع، لا يتطابق مع الأنظمة الحاكمة، فلا يكاد يمر عقد أو عقدين حتى ينبري علم من أعلامها يتحدى ديكتاتور عصره ليسجل أروع قيم البطولة، ويخط بدمه الزاكي أسمى مصاديق المواجهة، ولم يكن الشهيد محمد محمد صادق الصدر إلا شمس أضاءة تاريخ الحوزات العلمية ، حيث يمكن القول ان أسطع ماتركه في تاريخ العراق السياسي الحديث هو قدرته الفائقة على استثمار الهدنة بينه وبين النظام القمعي، ليوفق في استقطاب الشارع العراقي وجذب الملايين لمشروعه الاصلاحي الذي هز أركان السلطة آنذاك، وكاد ان يعصف بنظام الحكم لولا مسارعته بتنفيذ جريمة الاغتيال.
كان الصدر رضوان الله تعالى عليه يعلم أكثر من غيره بان النظام يحوك خيوط عملية اغتياله، ولن يعير أدنى اهتمام لذلك، حيث قال : “مادام عملي فيه رضا الله، وفيه المنفعة العامة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ الحوزة، فلماذا أخاف ؟ فلماذا أخاف ؟، وحتى لو ذهبت فسيكون ذهابي في طريق الله سبحانه وتعالى وهو غاية المطلوب”، كما قال في خطبة أخرى : “انا في خطر، وسابقى في خطر، واذا ذهبت فساذهب كما ذهب المعصومون عليهم السلام، وكما ذهب ميثم التمار، وحجر بن عدي، وسعيد بن جبير، وشهداء الطف، وكثيرون ممن عملوا في سبيل الله قتلوا في سبيل الله”.
كيف يسمح طاغوت مثل (صدام ) أنذاك ؟! لرجل لايملك الا (العصا ، والكفن ، والشجاعة) ان يتحدى آلة النظام القائمة على القمع والبطش من على منبر الجمعة علنا وصراحتا ليقلب موازين الشارع العراقي التي لا يجروء أحدا على الاقتراب منها، وزاد على ذلك كله بمطالبته اطلاق سراح السجناء من على منبر الجمعة، قائلا : “نطالب .. نطالب .. باطلاق سراح السجناء ، فورا .. فورا .. فورا”، كما رفض نظام الحكم ، قائلا : “كلا كلا للظالم .. كلا كلا أمريكا .. كلا كلا اسرائيل” وكان في أول كلا يعني نظام البعث قبل أمريكا وإذسرائيل.
لم يكن المرجع الثائر نغص جبروت النظام الحاكم بالخطب والمطالب وحدها، بل أبدع في رسم سياسة تكشف زيف ادعاءات ذلك النظام، حيث قام بارسال الوكلاء والمبلغين الى كافة انحاء العراق ووصل بعظهم الى مناطق نائية، وعرفوا كيف يخاطبون الامة ويفهموا مشاعرها وما يجول في افكارها ليسهم ذلك بمد جسور الثقة بينها وبين الحوزة، كما كان لاصداره فقه العشائر الذي اقتحم من خلاله عالم العشائر العراقية المغلق، والسعي لحل المشاكل العشائرية الشائكة التركيبة والقوانين في المجتمع العراقي، ومن ثم توجيه دعوة لحضور شيوخ العشائر والتي استجاب لها الكثير من شيوخ العشائر العراقية.
ولاننسى ان للشهيد الصدر مشروعاً كبيراً في حث الأمة على أهمية الوحدة والتكاتف والتآزر في اللحظات العصيبة، مما جعل الكثير من أبناءها يحتذون بخطه الجهادي ليرفضوا سياسة الذل التي خضعوا لها طيلة أعوام، مما زاد ذلك من سخط النظام محاولا طي إرادة المرجع الثائر بعدة وسائل، كان أولها التي لن تجدي نفعاً بكسب وده وترك ما أقدم عليه ، وآخرها الأمر لتنفيذ عملية الإغتيال الغادرة التي ترفضها جميع القيم الأخلاقية والديانات السماوية، حيث قدم الصدر روحه الطاهرة ونجليه قربان في سبيل أن تبقى كلمة الله هي العليا.
https://telegram.me/buratha