محمود الهاشمي
الإجراء البريطاني باحتجاز ناقلة نفط إيرانية قرب جبل طارق فيه من التفاصيل الكثير ، حيث إن بريطانيا تعلم أكثر من غيرها ، إن العقوبات ضد إيران هي ((فردية)) أصدرتها أمريكا ولم تشاركها بذلك أي دولة أخرى ، بما في ذلك حلفاؤها الإستراتيجيون ((الاتحاد الأوربي)) ، وإذا ما كانوا قد التزموا بتطبيق العقوبات فلأسباب ((اقتصادية)) وليست سياسية ، وهم الأكثر تضرراً من ذلك ، ويسعون لإيجاد وسائل لتجاوز هذه ((العقوبات)).
الجميع يعلم إن تبرير ((بريطانيا)) في احتجاز ناقلة النفط الإيرانية ، بسبب ((العقوبات ضد سوريا)) غير صحيحة ، فما لبريطانيا وعقوبات الاتحاد الأوربي التي صوت شعبها للانسلاخ منه !!
لا شك فان الأجراء البريطاني جاء بإيعاز أمريكي ، وان بريطانيا ليس من صالحها إثارة مثل هذه الأزمات في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي تعاني منها ، وفي مقدمة ذلك (أزمة بريكست)) وما لها من تأثير على وضعها الاقتصادي في مجال النمو الاقتصادي وصرف العملة والمبادلات التجارية والتي اغلب مؤشراتها تميل إلى تدهور سلبي متواصل!!
إن الإجراء البريطاني في احتجاز ناقلة النفط الإيرانية جاء في منعطف ((خطير)) تمر به بريطانيا ، حيث الصراع على من يخلف رئيسة الوزراء البريطانية (تيريزا مي)) بين قيادات حزب المحافظين ، والميول المختلفة ((جداً)) بين من يرغب بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوربي ولو شكلياً وبين من يدفع باتجاه الانفصال التام عن الاتحاد ، في وقت ترجح أوساط إعلامية وفكرية ان ذهاب بريطانيا إلى ((الشعوبية)) سيؤدي إلى تفكك بريطانيا فاسكتلندا سبق وان صوتت بالأغلبية من شعبها للبقاء ضمن الاتحاد الأوربي ثم الاستفتاء للانفصال عن المملكة المتحدة ، ومثل ذلك هددت ويلز وبعدهم ايرلندا الشمالية والجنوبية .
من جهته علّق وزير الخارجية الإسباني جوزيب بورّيل على حادثة احتجاز ناقلة النفط الايرانية من قبل بريطانيا (ان لندن قد تحركت بايعاز من الولايات المتحدة في سياق حربها النفطية على ايران وان حيثيات إبحار الناقلة قد قدمتها المخابرات الامريكية لنظيرتها البريطانية ،)مضيفا انه من المرجح ان يكون احتجاز السفينة قد تم في المياه الإقليمية الاسبانية)
البريطانيون يدركون مخاطر إجراء دولتهم وانغماسها في مشروع أمريكي لا ناقة لهم فيه ولا جمل ، حيث تساءلت الصحف البريطانية عن سر عدم قيام أمريكا بهذا الإجراء ، وهي الداعية للعقوبات ضد إيران ، فيما تمر ناقلات النفط الإيرانية على مقربة من أساطيلها ؟
أمريكا تدرك تماماَ ان أي مغامرة باحتجاز ناقلات النفط الإيرانية سيأتي الرد سريعاً ، وفي ذاكرتها سقوط ((الطائرة المسيرة)).
أمريكا اختارت بريطانيا لهذه المهمة ككبش فداء ، وقطعاً جاء ((الاختيار)) دقيقاً بعد إن عملت على إفرادها أولاً عن زميلاتها في الاتحاد الأوربي ، وصعدت من التيار الشعوبي لديها ، وأضعفت اقتصادها ، فيما أدركت مخاطر التفكك الذي يهدد مستقبلها .
صحيح إن بريطانيا تحاول إن تبرئ نفسها بأنها اتخذت قرار احتجاز ناقلة النفط الإيرانية وفق ((قرار سيادي)) وليس عن طرف ثالث ((أمريكا)) كما جاء على لسان وزارة الخارجية البريطانية ، ولكنه رأي غير مقبول ، لسببين الأول ، إذا كانت قد اتخذت الإجراء توافقاً لقرار الاتحاد الأوربي بالعقوبات على سوريا ، فإنها خارج الاتحاد الآن أو هي النقطة الأضعف في الاتحاد ، والثاني إن إيران ملتزمة بالاتفاق النووي وان أمريكا هي من انسحبت منه ، فلا يحق اتخاذ أي إجراء ضدها . وزارة الخارجية الإيرانية ، هددت بريطانيا يوم الجمعة 12/7/2019 وقالت ما نصه (( لابد لبريطانيا الإفراج الفوري عن الناقلة)) وأكدت (هذه لعبة خطيرة)،ونعتقد إن الرسالة وصلت إلى بريطانيا وخاصة أنها اضطرت إن ((تخفي)) ناقلة النفط التابعة لها والمسماة (التراث) والقادرة على حمل مليون برميل نفط ودفعت بها باتجاه السواحل السعودية بعد إن كانت متجهة إلى موانئ البصرة !! وان قرار احتجاز ناقلات النفط البريطانية صدر عن اغلب المسؤولين الإيرانيين بما في ذلك خطيب جمعة طهران !!
العلاقة بين إيران وبريطانيا قديمة وتمتد إلى القرن الخامس عشر ميلادي ، وربما أقدم علاقة لإيران مع دولة أوربية أخرى ، وكانت بريطانيا المبادرة قبل غيرها في الإعلان عن عودة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية بعد التوقيع على الاتفاق النووي ، ولها مصالح كثيرة معها ، وليس من مصلحتها إن تتورط في أزمة مع دولة مثل إيران تملك الكثير من مصادر القوة الذاتية والعمق الاستراتجي في المنطقة ، وسبق لأمريكا إن ورطت بريطانيا في الحرب على العراق مقابل وعود في استثمارات وغيرها في العراق وخاصة البصرة، لكنها عادت ((خائبة)) ودون أدنى فائدة في وقت خسرت العشرات من جنودها .
المعارضة البريطانية قد انتقدت حكومتها على إجرائها الأخير ، ونامل بان يكون للحكومة البريطانية موقف يرقى إلى تأريخها وما عهد عنها من ((التعقل)) في القرارات ، وإلا سيكون الرد الإيراني قوياً بالشكل الذي يقضي على أيام الدولة العجوز الأخيرة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha