كاظم الخطيب
الوفاء شيمة الشرفاء، والعرفان دالة الإحسان، والتضحية مدعاة للجزاء، والأرض عنوان للإحتواء؛ فلا شرف مع خيانة، ولا إحسان مع نكران، ولا تضحية مع إزدراء، ولا إحتواء بدون وطن.
"الجود بالنفس أسمى غاية الجود" ولا جود كنزف الدماء، وثكل الأمهات، وترميل النساء.. ومن أعظم مصاديق هذا الجود؛ هو المشهد القدسي الذي أدهش العقلاء، وحير أرباب العقول، عندما هبت جموع العاشقين على أجنحة من الشوق، لمعانقة المنايا، وتقبيل شفاه الردى، فداءً لشرف العراق، وذوداً عن حياض الوطن.
داعش صنيعة الفساد قبل أن تكون صنيعة أمريكا.. داعش وليدة المحاصصة قبل أن تكون وليدة الطائفية.. داعش نتاج الجهل قبل أن تكون نتاج ثقافة التكفير، داعش وكردستان جبهة.. داعش والأنبار وصلاح الدين دولة.. داعش وحكومة العراق آنذاك بلاء ونقمة.
أبان حكومة المالكي، تم إجتياح العراق، وسفكت الدماء، وهتكت أستار النساء، و "هُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا"، وأُعدم العراق ناصراً ومعيناً، بعد أن إرتدى الجنود( الدشاديش) جلابيب الفرار والهزيمة، وإتخذ الأكراد من سلاحهم (حواسماً) وغنيمة، وإنبرت في سبايكر وبادوش زمر مارقة بعثية لئيمة.
بصمت هادر، وفكر ثائر، وحكمة بالغة، أطلق سماحة السيد المفدى علي الحسيني السيستاني( دام ظله) فتوى الجهاد الكفائي.. حينها برز الإيمان كله، إلى الكفر كله، ووقفت صدور الأبطال سداً أمام وابل الرصاص، وإستهداف القناص، وعربات التفخيخ، وتتابعت مواكب الشهداء تتراً، وقدموا بدمائهم للإنسانية دروساً وعبراً، وصبروا صبراً جميلاً، ونكلوا بعدوهم تنكيلاً، فكانوا حشداً من المجاهدين كالطود، وسيلاً من المؤمنين كالطوفان، يكتسح فلول المعتدين، ويقتلع جذور المارقين، حتى أشرقت تباشير النصر، بإندحار قوى الشر.
وإذا بالشهيد وحيداً، يسمع صوت إمه وهي تنادي" ولدي لكم كان أهلك جاحدون؟.. ولدي وكم كان دمك رخيصاً؟ لدرجة أنه لم يك كافياً لشراء قطعة من وطن؛ تتوسد فيها بعد ذاك العناء، وتستريح بها من هول الشقاء، بني لقد تملك الأرض الدخلاء، وصادر نصرك الجبناء، فقد سمح الخائنون للمجون أن يكون سيداً، ومكنوا للفساد من أن يكون رائداً".
عجباً.. كيف يكون جزاء الشهيد جحوداً لتضحياته؟.. عجباً كيف يتملك الساسة وأبنائهم وخواصهم، مئات الأمتار من الأراضي، بينما يحرم الشهيد مترين من الأرض التي رواها بدمه الطاهر؟.. عجباً، كيف يكون من يمثلون الشعب أداة هَمٍ وشقاء؟.. عجباً، كيف تكون الحكومة عاجزة عن توفير مقبرة تليق بالشهداء؛ ممن كان لهم الفضل في دوامها وبقائها؟.. عجباً ، كيف تشح الأرض بوجه بطل.
ألا تباً لبرلمان لا يلبي طموح ناخبيه، وتعساً لحاكم لا يحفظ كرامة مواطنيه، وبعداً لأحزاب تجاهد بالأبطال، وتكرم الأنذال، وأسفاً على وطن يبيع الأرض لشهيد.
https://telegram.me/buratha