محمود الهاشمي
لم تستطع اي دولة في العالم ان تسيطر على ادائها الاعلامي مثلما فعلت ايران في إدارة ازمتها مع واشنطن !!
الجميع يعلم أهمية الاعلام الذي أصبح عبر وسائله المتعددة أداة التفاعل بين الأزمة والكثير من أطرافها وحتى من ليس طرفًا مباشرًا فيها، كما لم يعد ممكنًا التعتيم أو الصمت الإعلامى على أية أزمات مهما تفاوتت في حدتها أو حجمها، فعلى سبيل المثال، كان يمكن في الماضى للسلطات في أية دولة عدم نشر المعلومات بشأن أية كارثة أو أزمة قد تقع في محيط الدولة، وقد أصبح إخفاء أو تجاهل أية أزمة في عصرنا الحالي أمراً شديد الصعوبة، وبالطبع فإن درجة الاهتمام الشعبى محليًا وإقليميًا ودوليًا بأية أزمة تتفاوت من أزمة لأخرى، ولكن يظل لوسائل الاعلام دور رئيس في التعريف بها والتفاعل مع مجرياتها .
المتابع لأداء الاعلام الايراني بإدارة الازمة مع امريكا يكتشف الى اي حد من الانضباط مارسته هذه الماكنة التي تعد ركيزة مهمة في الانتصار على الأزمات التي تحيط بالبلد .
فيما بالمقابل تجد ان الاعلام الأميركي جاء مضطربا وغابت فيه الادارة (المنضبطة) وحلت بها الفوضى بدأً من الرئيس ترامب الى اصغر مؤسسة ،لذا تجد ان المتابع لشؤون الازمة ماعاد يرى في الخطاب الأميركي ما يستطيع من خلاله ان (يتورط)في نقل اي من التصريحات والاحداث ،حيث في حادثة سقوط الطائرة الأميركية المسيرة ،تجد ان الاعلام الأميركي غابت عنه الحقائق في ظل تضارب تصريحات المسؤولين ومحاولة (الانكار)ثم (الاعتراف) وقد زاد الطين بلّة اضطراب تصريحات وتغريدات الرئيس ترامب نفسه!
اما كيف استطاعت ايران السيطرة على إدارة الاعلام ،فليس كما يظن البعض في ان الاعلام الايراني (رسمي)ويخضع لضوابط حكومية صارمة ،فَلَو كان ذلك لما اصبح تقدير الأوساط الإعلامية العالمية بهذا الشكل ،بحيث انهم يستقون الاخبار من مصادرها (الايرانية)الموثوقة دون غيرها ،ولو كان (رسميا) مطلقاً لتأخر او تباطأ او اضطرب في الإجابة عن الحدث !!
ويمكن ان نرجع أسباب نجاح الاعلام الايراني
في إدارة الازمة الى الامور الاتية :-
1-التربية الوطنية والإسلامية للشعب على مدى ال(40)عاما من عمر الثورة .
2-طبيعة الشعب الذي يحترم مباديء المواطنة في الحفاظ على اسرار البلد
3-ثقة المواطن بقياداته انها قادرة على حفظ كرامة الوطن وسيادته
4- الإعداد الاستراتيجي المسبق لمواجهة الأزمات وإدارتها على كافة الاصعدة ومنها الاعلام
5-الإعداد الأكاديمي والمنهجي للإعلام عبر تقوية المؤسسات ذات الشأن ودعمها ماليا .
6-الثقافة الاسلامية لمنهج الثورة وتطلعاتها المترسخة في عقول القيادة والشعب بحيث ان المسؤول او الاعلامي لايحتاج كثيرا من التفكير بالاجابة عن اي حدث يخص الازمة .
6-توفير المعلومة سواء للمسؤول او الاعلامي سواء فيما يخص ملفات الازمة او الخبر العاجل ،وهو دليل التنسيق العالي بين مؤسسات الدولة
7-استخدام اخر التقنيات الحديثة وتجهيز المؤسسات الإعلامية بها لتتعامل مع الحدث بأسرع مايمكن .
8-نتيجة لطول أمد الازمة بين طهران وواشنطن ،فقد استفاد الاعلام الايراني من التراكم المعرفي والبيانات الوفيرة عن الازمة وكيفية التعاطي معها ،خاصة وان اجيالا إعلامية كبرت تجربتها مع الازمة .
9-عملت ايران خلال الفترات السابقة مستفيدة من تجربة إدارة الاعلام ايّام الحرب العراقية الايرانية ،الى انشاء مراكز دراسات متطورة وضمت لها كوادر بثقافات عالية وخبرة
لغرض تزويد القيادات ومؤسسات الاعلام بأدق التحليلات .
10-استفادت ايران من خبرة القيادات السابقة والأسبق في إدارة الدولة وضمهم الى مؤسسات معينة ،مثل (مجمع تشخيص مصلحة النظام) الذي يضم كبار المسؤولين الإيرانيين
11- الفورية في نقل الأزمة، والتعريف بها وإمداد الجمهور بالحقائق التفصيلية أولًا بأول، والعمق والشمول في تغطية جوانبها المختلفة، وضبط النفس والتعامل بموضوعية مع أجهزة الرأى العام.
12-عدم جعل (الازمة) تنعكس بتداعياتها على حياة الناس العامة ،عبر توفير برامج اجتماعية واقتصادية وغيرها ،وكأن الحياة تمضي طبيعية دون التهويل وإشغال المواطن بالتفاصيل .
13-ضبط إيقاع الاعلام دون الانجرار وراء مايبثه (الاعلام المضاد)
14-كسب ثقة المواطن ،واعتماد الموضوعية في التعاطي مع الحدث .
15-منح المسؤول ومؤسسات الاعلام فسحة للاشتمال على الحدث من زوايا مختلفة دون خنقه بإرادات وحسابات أمنية صارمة ترهل الاعلام وتضعفه كما تفعل الأنظمة الدكتاتورية .
ان واحدة من علامات الانتصارعلى (الازمات) ،هو ان ترى الاعلام يدار بهذه المهنية العالية والمسؤولية ،وهذا مابات يزعج أعداء الجمهورية الاسلامية ،خاصة وان هذه الماكنة الإعلامية تدعمها انتصارات على الارض في الملف الأمني والعسكري و السياسي والاقتصادي والاجتماعي ،مما ولَّد ثقة لدى الجمهور العام انه يرى في المسؤول الايراني عنوانا للصدق والنجاح .
https://telegram.me/buratha