المشهد السياسي في العراق، بحكامه ومحكوميه، تتسيده الوقت الراهن ثلاثة مظاهر هي: تغليب الطائفية السياسية على مشروع الدولة الحديثة؛ وفوضى الجمهور، وعدم تكون العملية السياسية على أسس المواطنة. فالعراقيين بكل تنويعاتهم المكوناتية المتمحورة حول القومية أو الدين أو الطائفة أو القبيلة، تتقاذفهم لعنة الحرية، والواقع يؤكد على نمط هجين من أنماط الحكم، يمكن أن نطلق عليه "البدوقراطية"! هذا المصطلح الجديد المنحوت على حد تعبير أهل اللغة من كلمتي البداوة والديمقراطية، وهو يُعبر بشكل دقيق عن أزمة العراق السياسية المستدامة، ولكن السؤال الأهم هل يمكن الجمع بين البداوة والديموقراطية؟ في بلد يبدو كل شيء في مباحا، وحيث نمط التفكير البدوي في التعامل السياسي لا يكتفي بتهديد الديموقراطية، بمعناها الحديث، بل يهدمها. فلا الدستور أنتج استقراراً، ولا التوافق السياسي قادر على حل ألغاز هواجس الطوائف التي تنامت مخاوفها على الذات ومن الآخر، بشكل ملحوظ منذ العام 2003، أي لحظة دخول العراق في غابة الذئاب، حيث تنامى الجنون السياسي بين أطراف المعادلة المأزومة أصلا! وحيث الأَضداد تنتج الأضداد، وحيث اتسعت دائرة التضاد والإِضداد بمشروعاتها الداخلية والاقليمية، وحيث تحولنا جميعاً الى كتل صماء منعزلة عن بعضها البعض، وحيث العنف السياسي ينتج العنف المجتمعي وحيث لا تفسير منطقي للفوضى المتفاقمة على وقع الاصطفاف خلف هذا الزعيم أو ذاك، وحيث لا ضوابط تكبح هدم الدولة، التي تحولت الى مؤسسات فردية/ طائفية وحيث لا وجود لرجال دولة، قادرين على تحديث المؤسسات وتذرير الخطاب الطائفي وحيث سياق واحد يطغى على القيادات السياسية: تناقض الأجندات، وطغيان لغة العنف اللفظي، وبين هذين المعطيين، يغيب الحوار وتدخل البلاد في دائرة من الأزمات الدورية، أقل ما يقال عنها إنها تدميرية، تحديداً على مستوى الشرخ العمودي الذي أحدثته. وحيث ينبغي أن نعترف بأن العراقيين لم يتخطوا حتى الآن الانتماءات الفرعية ، بكل امتداداتها المناطقية والمؤسساتية والاقليمية، وحيث كل نقد لأي زعيم محسوب على أي طائفة، يبدو كأنه يهدد هرمية الطائفة... فأي ديمقراطية نتحدث عنها؟
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha