المؤمن لا يــلــدغ من جــحــرٍ مــرتـين
أحمد كامل عودة
نستمع في هذه الايام العديد من الاحاديث التي تطرق مسامعنا خصوصاً من جيل الشباب ، وهم يفضلون بقاء حكم صدام على التغيير الذي حصل بعد 2003 ، فقد يكون هذا الجيل معذوراً عن ما يتصوره ، فهو لم يعي ولايعرف الحقبة التي مرَ فيها العراقيون ابان حكم البعث الجائر ، فعلى الرغم من المآسي والازمات والمشاكل التي يمر فيها البلد حالياً ، والتي تولدت بسبب الصراعات الشخصية ، والمكاسب الحزبية والتحالفات العنصرية ، على حساب مصلحة البلد الواحد ، والذي على اثره جنى العراقيون الازمات تلو الازمات ، لكن هذا ليس سبباً كافياً لتمني بقاء النظام السابق ، فأن الظلم والجور جراء حكم البعث والذي لم يستثني احداً بل حول العراق الى جار غير مرغوب فيه ، ونصب العداء لهذا البلد بسبب السياسات الدكتاتورية ، وان اغلب مشاكلنا التي نمر بها حالياً ، هي ليست وليدة اللحظة بل تمخضت خلال سنوات الجور التي مر فيها العراقيون ، وحولت العديد منهم الى مخالب ذئاب تنهش الانسانية متى ما اتيح لها ذلك ، بعد ان نُزِعَ من قلوبهم حب الاوطان .
حيث راح ضحية النظام الصدامي الملايين من العراقيين بين قتيل ومعاق اثر الحروب والاعتقالات والاعدامات والاغتيالات ، بالإضافة الى المشردين والفقراء والمساكين خصوصاً ايام القحط التسعيني والحصار الاقتصادي الاسود، والذي باع فيه العراقيون ممتلكاتهم حتى ادوات منازلهم من اجل شراء كسرة خبز سمراء يسدون بها جوع بطونهم .
وبما انني اعي فترة التسعينات اكثر من فترة الثمانينات والحرب الطاحنة ، التي استمرت ثمان سنوات مع الجارة ايران ، فقد كنت استمع للقصص والروايات المأساوية من الذين اشتركوا في تلك الحرب ، وعاصروها وكانوا شهود عيان لما يحدث امامهم ، حيث كانت بعض الدول تدفع الاموال الطائلة لنظام صدام ، والتي تبينت فيما بعد انها ديوناً متراكمة في ذمة العراق ، وطالبوا بتسديدها بعد سقوط صدام ، وكان الغاية من منح تلك الاموال هي ابقاء الحرب قائمة مع ايران دون توقف ، وضمان استمرار الاستنزاف في الارواح والاموال من كلا الجانبين ، وجعلوا من الكفة متوازنة بين الطرفين لتكون الخسائر اكبر.
وما ان انتهت تلك الحرب حتى وقع النظام الصدامي في فخ لم يتمكن الخروج منه حتى سقوطه في 2003 ، وكانت تلك الفترة التي امتدت من عام 1990 وحتى اخر يوم من سقوط الصنم لم تمر على العراقيين مرور الكرام ، بل كانت الاشد وطأةً والاكثر تأثيراً على مسار المجتمع العراقي ، وغيرت الكثير من ديموغرافية البلاد واعادته عشرات السنين الى الوراء ، وصار العراق بمعزل تام عن العالم الخارجي ، واصبح الشعب العراقي بلا غذاء او دواء ، وتناول الناس اسوء الاغذية بسبب الجوع الذي حل بالبلاد ، ودب الفقر والعوز بين المجتمع وتحول العديد من التجار الى مخالب ذئاب تنهش بأجساد الغالبية العظمى من الشعب ، وسطرت بذلك القصص وروايات الفقر التي صارت السمة العامة للشعب العراقي ، وسأتناول في مقالات قادمة تلك القصص تباعاً لأبين ماشاهدتُ ورايتُ من احداث تجعلنا لا نذرف الدموع فقط بل نكسر الاقلام الماً وحسرة ، ونحن نتذكر جيلاً كاملاً عانى مرحلة المرارة ، وكانت امنيتهم جميعاً رؤية نهاية الحكم البعثي والصدامي ، لكن اغلبهم الحظ لم يسعفهم وغادروا الحياة قبل ان يشاهدوا ذلك اليوم ، فعلى الرغم مانمر به حالياً ، لكن هناك املاً بعودة العراق وتحسن اوضاعه .
مع العلم سابقاً كان الوضع مغاير تماماً ، وتحولتْ فيه الحياة الى صراع مع لقمة الخبز والتخلي عن جميع الامور الباقية، واصاب العراقيون اليأس من التغيير ، وتحولت حياتهم الى حياة معدمة لا معنى لها ، وقبل ان تتمنى حكم البعث فلنمنح وقتاً يسيراً للمثقفين والاكبر سناً ليحدثونا عن السنوات التي عاشوها خلال تلك الفترات ، ومن ثم نمنح انفسنا وقتاً يمكن ان نقارن به حياتنا ، ونصنع الافضل من خلال تجاربنا لا العودة للتجارب السابقة ، ولنستفد من تلك التجارب التي مررنا فيها لنصنع مستقبلنا ولا نقع في الاخطاء الماضية ، ونساعد السيوف لتتسلط على رقابنا مرة اخرى ، فالديمقراطية هيأت لنا العديد من السبل وتغيير واقعنا نحو الافضل ، فلا يمكن الاستسلام والخنوع فلا زال هناك الشرفاء الذين بمقدورهم تغيير الواقع نحو الافضل ، واما تمني عودة الماضي وتجارب البعث فهي من صفات الخانعين فالمؤمن لايلدغ من جحرٍ مرتين .
https://telegram.me/buratha
