كندي الزهيري
بعد الحرب العالمية الأولى في العام 1920 شرعت بلدان أوروبا الشرقية والغربية في البحث عن صيغة للأمن الجماعي، فأنشأت عصبة الأمم للمحافظة على السلام العالمي، إلا ان الاطماع الاستعمارية للدول المؤسسة كانت السبب في فشل العصبة، واندلاع الحرب العالمية الثانية وبذلك تطلب البحث من جديد عن صيغة اخرى للأمن الجماعي والمحافظة على السلام العالمي.
على ذلك الاساس انشأت البلدان المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وبعض البلدان العربية والأجنبية شبه المستقلة، هيئة الأمم المتحدة العام 1945 ملاذا أخيرا للأمن والسلم العالميين، بشرط ان تحتفظ الدول الاستعمارية الكبرى (أميركا، الاتحاد السوفياتي، بريطانيا، فرنسا) والصين بحق النقض الفيتو في مجلس الأمن.
لكن نظرية الأمن الجماعي اصبحت مهددة في ظل انقسام العالم الى معسكرين شرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي وغربي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية.
الا ان انهيار الاتحاد السوفياتي وانهيار دول التحالف الشرقي نتج عنه قيام النظام العالمي الجديد بعد حرب الخليج الثانية، واستفراد اميركا بالسياسة الخارجية العالمية والسيطرة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالذات لكونها القوة الاعظم.
بعد 11 سبتمبر/ايلول 2001 ساهمت في احكام السيطرة الأميركية على جميع المنظمات الدولية المتعددة الاطراف. فبعد ان كانت اميركا تشرّع لمجلس الأمن لقتل الشعوب، وتشرع «لإسرائيل» لقتل الفلسطينيين، من منبر مجلس الأمن، بإصدار قرارات للمقاطعة الاقتصادية وشن الحرب على كل من كوريا وفيتنام والصومال والعراق وافغانستان وبعض البلدان النامية، تجاوزت تلك الصلاحيات بإصدار الأوامر للبلدان الأعضاء والدائمة العضوية في مجلس الأمن وبذلك اصبحت جميع بلدان العالم والسياسة الدولية رهينة للسياسة الأميركية.
اما البلدان العربية اصبحت ضمن نطاق الطاعة الأميركية على رغم انها اكتسبت حظوة خاصة لدى اميركا لامتلاكها موقعا استراتيجيا منذ ثلاثينات القرن العشرين، عندما اكتشف مخزون كبير للنفط في الجزيرة العربية.
وبعد ان تملك العرب نفطهم في بداية سبعينات القرن العشرين بدأت القوى الكبرى في وضع الخطط الجهنمية للسيطرة على النفط العربي، وابقاء المنطقة مشتعلة بشكل دائم ومقسمة وغير مستقرة بزرع دولة «اسرائيل» على ارض فلسطين وفي قلب العالم العربي، وبذلك اصبحت المنطقة العربية بؤرة الصراع الدولي وهذا ربما يكون سبب معاقبة اميركا لبعض البلدان العربية التي تعتبرها مارقة مستخدمة مجلس الأمن لفرض عقوبات اقتصادية صارمة أو شن حرب مدمرة عليها.
تضاعفت الهيمنة الاميركية على مجلس الأمن بعد الانهيار التام للاتحاد السوفياتي وتشكيل التحالف لتحرير الكويت من الغزو العراقي العام 1991.
عند ذلك ابتدع الرئيس جورج بوش الأب فكرة النظام العالمي الجديد ونصب نفسه قائدا لذلك النظام، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد واجهت القوة العظمى في العالم أول تحد حقيقي لها، عندما كسرت جماعات أصولية اسلامية الجبروت ولعنجهية الأميركية، وهاجمت الدولة العظمى في عقر دارها وكانت تلك أكبر هزيمة سياسية هزت الادارة الأميركية وافقدتها صوابها، وكان يجب عليها رد اعتبارها كدولة عظمى وتأديب الاصوليين في أفغانستان بأمطارهم بالصواريخ القاتلة، وتأديب ما تعتبره اهم دولة مارقة وهو العراق بضربه عسكريا.
ليس من المفارقات ان نعلم ان تاريخ الأمم المتحدة شهد الكثير من المتناقضات في اصدار القرارات الدولية، والاخذ بالمعايير المزدوجة عند تطبيقها.
فوق هذا فان الولايات المتحدة اتخذت الامم المتحدة جسرا لشن الهجوم على أفغانستان والعراق والصومال وفيتنام وكوريا وبنما وغرينادا واليمن وسوريا ولبنان وغيرها من البلدان الرافضة الهيمنة الأمريكية. بل ان الولايات المتحدة كما يقال ارتكبت مجازر في حق الانسانية من دريسن في المانيا الى افغانستان الى العراق الى سوريا الى اليمن وصلت الى قتيل وتجويع الشعوب ، بالنسبة إلى شعوب العالم الضعيفة فان تحرر الامم المتحدة من التشريع الأميركي لمجلس الأمن لقتل شعوبها هو أكبر انجاز حققته دول العالم ضد أميركا، لكن من يستطيع مقاضاة امريكا على جرائمها بحق الشعوب؟!.
https://telegram.me/buratha