ميثم العطواني
كذب السياسيون وعمرهم لم يصدقوا، ويُصَدق الشعب ويعلم إنهم كذبوا .. وهذه حقيقة واضحة المعالم وليس بيت شعر أو فلسفة .. وما دعانا لكتابة هذهِ السطور هو الحديث الذي دارَ يوم أمس خلال جلسة خاصة جمعتنا وعددا من السياسين والمسؤولين والمنتفعين الذين ما ان ذكر "الإتفاقية الستراتيجية الأمنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة لمغادرة القوات الأمريكية" حتى بدأ واحدا تلوى الأخر يهلل ويكبر ويمتدح ما يسمى بــ "المفاوض العراقي"، ولا نعلم عن أي مفاوض يتحدثون !!.
وعندما نستعرض عملية انسحاب معظم قوات الإحتلال الأميركي من الأراضي العراقية عام (٢٠١١م)، نجد ان تلك العملية أقدمت عليها واشنطن بعد الضربات الموجعة التي تلقتها قواتها بسواعد أبطال المقاومة الإسلامية طيلة سنوات تواجدها في العراق، ما دفعها لإتخاذ قرار الإنسحاب تاركة بعض القواعد المحصنة تحت ذريعة الإتفاقية الأمنية للحفاظ على ماء وجهها، وهنا ابتعدت وسائل الإعلام الدولية والمحلية كل البعد عن الحقيقة حين روجت "لنجاح المفاوض العراقي" حيث تركت اللب وتمسكت بالقشور، وان المتابع لتلك الأحداث يدرك تماما ان الولايات المتحدة الأميركية لا يجبرها يضع امضاءه على ورق لا يغني ولا يسمن السياسة الإستكبارية !!، إلا ان تحجيم دور المقاومة الشريفة، وعدم تسليط الضوء على الدور الحقيقي الذي قامت به لتكبيد قوات الإحتلال خسائر فادحة بالأرواح والمعدات، مما جعل واشنطن تعيد حساباتها وتعجل بإتخاذ قرار الإنسحاب، إذ يشير واقع كل محتل لثورة تتكلل جهود ثوارها بالنجاح، وتاريخ الثورات والثائرون حافل بالملاحم البطولية التي أجبرت المحتل على الإنسحاب، عندما تمكنت بريطانيا من إحتلال العراق عام (١٩١٤م) لم يلبث الثائرون طويلا إلا وقاموا بثورة النجف عام (١٩١٨م)، وبعدها بسنتين فقط اندلعت ثورة العشرين التي أجبرت البريطانيين على تأسيس الحكم الوطني لإنهم أدركوا جيدا ان العراقيين عازمون على مقاومتهم حتى طردهم من البلاد وتأسيس الدولة العراقية، "بعد ان لم يكن يدر بخلدهم ان يعطوا العراقيين هذه الحقوق لو لم تحدث الثورة" كما عبرت عنه كبيرة الجواسيس البريطانية المس بيل، لقد سجل التاريخ نموذجا آخر في العراق يختلف عن تاريخ البلدان المحتلة كما في مصر والهند وغيرها من الدول، حيث ان بريطانيا أحتلت مصر قبل أحداث ثورة العشرين في العراق بأربعين عام وكان ذلك في سنة (١٨٨٠م)، وأحتلت الهند لقرنين من الزمان، ناهيك التطرق الى دول كبيرة لازالت السيطرة البريطانية تفرض عليها حتى الآن كما في هونغ كونغ وبعض جزر الأطلسي، بل يفوق ذلك ان التاج الملكي البريطاني لايزال هو شعار استراليا وكندا ونيوزيلندا .
ونعود لصلب الموضوع، إذ اعاد تاريخ العراق نفسه فوجدت أميركا في المقاومة الإسلامية أنموذجا للمقاومة يعز نظيرها في كافة بقاع الأرض، مما أيقنت ان لا خيار لها سوى الإنسحاب بذريعة المفاوضات مع العراق لحفظ ماء وجهها، والتي تخالف بنود هذه الإتفاقية تطبيقها على أرض الواقع، والسبب يعود لضعف الحكومات العراقية المتعاقبة، وتشبث الحكام بكرسي الحكم، إذ أجبرت المقاومة أميركا على سحب قواتها للحيلولة دون تكبيدها المزيد من الخسائر، وهذا ما تحقق بجهود أبناء المقاومة، بينما استمرت واشنطن بسياستها للتدخل في القرارات العراقية الستراتيجية بالإضافة الى بقاء قواعد لها في عدد من المحافظات العراقية وهذا الفضل يعزو للمفاوض العراقي الذي أمضى على اتفاقية لا يعرف الشعب معظم بنودها السرية .
وما ان بدأت قوات الإحتلال الأميركي "الإنسحاب" من العراق، بدأ الخبراء والمحللون العسكريون والسياسيون الأميركيون عملية تقييم الوضع العام طيلة مدة الاحتلال التي خسرت فيها الولايات المتحدة (٤٤٧٤) قتيلا و (٣٣) الف جريح بحسب الأحصاءات الرسمية التي أعلنتها وزارة الدفاع الأميركية والتي هي في حقيقة الأمر أكثر بكثير من تلك الأحصائيات التي أعلنت .
https://telegram.me/buratha