كندي الزهيري
احتلت مسألة النفط جانباً كبيراً من اهتمامات كافة الادارات الأميركية المتعاقبة، نظراً لما يشكله النفط من مصلحة اساسية للولايات المتحدة الأميركية، والقوى الكبرى، بسبب وجود احتياطيات بترولية ضخمة ومؤكدة، سهلة الاكتشاف، ومنخفضة التكاليف مقارنة بأية منطقه اخرى في العالم، وما قاله السيناتور الاميركي أوين بروستر في أيار عام 1947م، يؤكد ذلك يقول " إن من يقعد على صمام النفط في الشرق الأوسط يمكنه أن يتحكم في مصير أوروبا". يشكل هذا القول في مضامينه وخلفياته اهمية النفط العربي كضرورة اقتصادية ـــ عسكرية وكقوة سياسية فاعله في فرض شروط الاقوياء، واحكام السيطرة الكونية ومقدرات الدول والشعوب. ففي ٢٠٠١م صرح سبنسر ابراهام أول وزير طاقة في ادارة بوش الابن قائلاً "اميركا مقبلة على ازمة كبيرة في توفير الطاقة في العقدين القادمين، وأن أي فشل في مواجهة هذا التحدي سيعرض اقتصادنا وامننا القومي للخطر، وتغير اسلوب حياتنا بكل معنى الكلمة مما دفع أو يدفع القوى العظمى إلى احكام سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط التي تحوي على اكبر احتياطي للنفط في العالم".
فسياسة الولايات المتحدة للسيطرة على النفط في العالم ليس وليدة اليوم، بل هي تضرب عميقاً في جذور التاريخ الاميركي، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، فالقرن الحادي والعشرون بدأ بحرب من اجل السيطرة على ثروة القرن الكبرى، أي النفط وذلك عندما شنت اميركا الحرب على العراق 2003م. فلم يكن هدف الحرب تخليص العراق من نظام ديكتاتوري، ولا الحرب على الارهاب، بل كان الهدف تحقيق مصالح اميركية استراتيجية متعلقة بضمان هيمنة اميركا على هذه المنطقة النفطية، وتأسيس لمشروع الشرق الأوسط، وتقسيم المنطقة لضمان أمن إسرائيل، الحليف الديموقراطي الوحيد في المنطقة للولايات المتحدة الأميركية.
والمحافظون الجدد الذين تمكنوا من السيطرة على مفاصل السياسة الخارجية الأميركية كانوا مرتبطين ارتباطاً وثيقاً بشركات النفط والسلاح والذين دفعوا ادارة الرئيس بوش للحرب على العراق، واطلاق مشروع الشرق الأوسط الكبير،وهذا ما ذهب اليه لورنس ليندساي، المستشار الاقتصادي للرئيس الأميركي السابق بوش الابن، في قوله قبل بداية الحرب الأميركية على العراق 2003م، "إن النفط هو الهدف الرئيس لأي هجوم أميركي على العراق، وان التأثيرات السلبية والتكلفة الاقتصادية لأي عمل عسكري ضد العراق، ستكون بسيطة للغاية مقارنة بالمزايا الاقتصادية المرجوة في حال نجاح الحرب".
لقد تبنت الولايات المتحدة الأميركية خلال اداراتها المتعاقبة سياسة واضحة وثابتة، تمثلت بسياسة دعم وضمان امن إسرائيل مادياً ومعنوياً، وذلك من خلال تعمدها بتحقيق تفوق إسرائيل العسكري على الدول العربية مجتمعة، وتمكنها من الاستمرار بامتلاك السلاح النووي في المنطقة، فضلاً عن التزام الولايات المتحدة بدعم إسرائيل في المحافل الدولية والحيلولة دون صدور قرار ضدها من مجلس الامن لانتهاكها المستمر للقانون الدولي، الامر الذي افقد الولايات المتحدة مصداقيتها في المنطقة العربية، ولاسيما موقفها من الصراع العربي ـــ الإسرائيلي، الامر الذي يحتاج إلى تسوية واعادة الثقة في الولايات المتحدة بأنها صديق وحليف في المنطقة العربية، ولذلك ارادت الادارة الأميركية من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير، ادخال إسرائيل في المنظومة العربية، والتي سبق وان قدمت مجموعة افكار للكونغرس الاميركي تحت عنوان (التعاون الاقليمي في الشرق الأوسط)، قائمة على اساس ادخال إسرائيل في المجال الحيوي لسياسة الشرق الأوسط، وتهيئة الاجواء للاعتراف العربي الشامل به كجزء لا يتجزأ من تراث المنطقة، من خلال تطوير قنوات التعاون في مجالات العلوم التكنولوجية، واقامة شبكة من وسائط الاتصال الحديثة والربط الاقليمي لدول المنطقة.وفي الجانب الصهيوني ارتبط مفهوم الشرق أوسطية باسم شمعون بيريز تحت اسم الشرق الأوسط الجديد، والذي دعا فيه إلى الحروب، ووضع حد للصراع العربي ــــ الصهيوني وبناء شرق أوسط جديد متجانس. فإسرائيل هي احد المرتكزات الاساسية في السياسة الشرق أوسطية، وتحتل المكانة الرئيسة في سلم أولويات الاستراتيجية الأميركية، كعنصر فاعل وتابع واحياناً كشريك.
وقد كشف بيريز عن نيته وأهدافه في مقابلة صحفية نشرتها فصلية الشرق الأوسط في مارس 1995م، حين رد على سؤال قول سابق له مفاده (إن هدف إسرائيل المقبل يجب أن يكون الانضمام إلى جامعة الدول العربية)، قائلا "اعتقد أن جامعتهم العربية يجب أن تسمى جامعة الشرق الأوسط وعندئذ يمكن لإسرائيل أن تنضم اليها، نحن لن نصبح عرباً، ولكن الجامعة يجب أن تصبح شرق أوسطية".
ونتيجة لذلك اهتمت الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة وطول عقد التسعينات من القرن الماضي ومطلع الألفية الثانية بتسوية النزاع العربي _ الإسرائيلي، لضمان سيطرة إسرائيل على المنطقة ودخولها في المنظومة العربية، وهذا ما أكدت عليه الاستراتيجية الأوربية أيضا، التي اشارت إلى أن تسوية النزاع الفلسطيني _ الإسرائيلي تشكل أولوية استراتيجية لأوروبا، وفي غياب مثل هذا الحل لن تكون هناك فرصة لتسوية المشاكل الاخرى في الشرق الأوسط، ولهذا السبب من الضروري اعادة اطلاق نهج السلام في الشرق الأوسط.
فالحديث عن دمقرطة الشرق الأوسط في ظل التداخل الفكري والسياسي بين إسرائيل والولايات المتحدة لا يحمل جدية واضحة من الولايات المتحدة، ولهذا فإن التحلي بالصفة الديموقراطية لا يكفي لتسويغ دعم إسرائيل ولا لتفسير مثل هذا الدعم، وهذا من شأنه أن يعرض منطق الديموقراطية المشتركة للاهتزاز بسبب جوانب من الديموقراطية الإسرائيلية المتناقضة مع قيم اميركية جوهري .
فعلى مدار 60 عام وخلال سيطرة اميركا على المنطقة واعتمادها المتزايد على النفط، تصرفت اميركا بطريقة أنانية في الشرق الأوسط، فقد دعمت التعاون مع الأنظمة الدكتاتورية وحاربت القادة الشعبيين الذين قاوموا السيطرة الأميركية. وخلال هذه الفترة حاولت اميركا إعادة نشر القيم الأميركية في المنطقة، فقد تدخلت اميركا لحماية الانتخابات الديموقراطية في لبنان عامي 1958و1983م، وحررت الكويت عام 1991م، واطلقت العديد من مبادرات السلام بين العرب وإسرائيل، وقصة تدخل واشنطن ما بعد الحرب الباردة في الشرق الأوسط تمثل صراعاً للتوفيق بين كونها قوة عظمى ومع دورها كبطل للحقوق الوطنية والفردية.
وفي اعادة للتفكير بمستقبلها حسب العقليه الامريكية تعتقد انها في الشرق الأوسط يجب أن تعتمد على الاهداف الواقعية، وإن تحافظ على اسبقيتها في المنطقة، وإيجاد تسوية للصراع الفلسطيني ــــ الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه يعتقدون السياسة في اميركا ان يدركوا أن لديهم سجلاً طويلاً في حماية الدكتاتورية والرجعية في الشرق الأوسط ، وما الترويج للديموقراطية هي محاولة لتلميع صورتها أمام الشعوب . وإن اميركا بحاجة إلى نظره متعددة الإبعاد تحافظ فيها على اسبقية مصالحها وخلال ذلك عليها أن تدعم وتؤيد تراثها الجدير بالاحترام. وهذا يعني أن اميركا يجب عليها المضي قدماً في مشروعها الشرق أوسطي ودعم ديموقراطيتها في المنطقة حسب عقلية البيت الأبيض .ومن هنا يدخل العالم العربي في فوضى خلاقه حسب معتقد الأمريكيين...
https://telegram.me/buratha